المخلوقات بنات ، وخصكم بالبنين (١) ، بمعنى أنه فضلكم على نفسه بالذكور الذين تحبون ورضي لنفسه بالإناث اللاتى تبغضون. عجبا منكم هذا الفهم السقيم. وقوله تعالى (وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِما ضَرَبَ لِلرَّحْمنِ (٢) مَثَلاً) أي بما جعل لله شبها وهو الولد (ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ) ، أي إن هؤلاء الذين يجعلون لله البنات كذبا وافتراء ، إذا ولد لأحدهم بنت فبشر بها أى أخبر بأن امرأته جاءت ببنت ظل وجهه طوال النهار مسودا من الكآبة والغم وهو كظيم أى ممتلىء غما وحزنا. وقوله تعالى : (أَوَمَنْ يُنَشَّؤُا فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصامِ (١) غَيْرُ مُبِينٍ) ينكر تعالى عليهم ويوبخهم على كذبهم وسوء فهمهم فيقول : أيجترئون ويبلغون الغاية فى سوء الأدب ويجعلون لله من يربى فى الزينة لنقصانه وهو البنات ، وهو فى الخصام غير مبين لخفة عقله حتى قيل ما أدلت امرأة بحجة الا كانت عليها لا لها. فقوله (غَيْرُ مُبِينٍ) أي غير مظهر للحجة لضعفه بالخلقة وهى الأنثى والضمير عائد على من فى قوله (أَوَمَنْ يُنَشَّؤُا (٢) فِي الْحِلْيَةِ) أى الزينة.
وقوله تعالى (وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ (٣) الرَّحْمنِ إِناثاً) أي حيث قالوا الملائكة بنات الله وعبدوهم لذلك طلبا لشفاعتهم والانتفاع بعبادتهم. قال تعالى : موبخا لهم مقيما الحجة على كذبهم أشهدوا خلقهم أى أحضروا خلقهم عند ما كان الله يخلقهم ، والجواب لا ، ومن أين لهم ذلك وهم ما زالوا لم يخلقوا بعد ولا آباؤهم بل ولا آدم أصلهم عليهالسلام وقوله تعالى (سَتُكْتَبُ شَهادَتُهُمْ) هذه وهى قولهم إن الملائكة بنات الله ويسألون عنها ويحاسبون ويعاقبون عليها بأشد أنواع العقاب ، لأنها الكذب والافتراء ، وعلى؟ إنه على الله ، والعياذ بالله وقوله تعالى : (وَقالُوا لَوْ شاءَ الرَّحْمنُ (٤) ما عَبَدْناهُمْ). أي قال أولئك المشركون المفترون لمن أنكر عليهم عبادة الملائكة وغيرها من الأصنام قالوا : لو شاء الرحمن منا عدم عبادتهم ما عبدناهم. قال تعالى فى الرد عليهم (ما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ) أي ليس لهم أي علم برضا الله تعالى بعبادتهم لهم ، ما هم في قولهم ذلك (إِلَّا يَخْرُصُونَ) أى يقولون بالخرص والكذب إذ العلم يأتى من طريق الكتاب أو النبى ولا كتاب عندهم ولا نبى فيهم قال بقولتهم ، ولذا قال تعالى منكرا
__________________
(١) أي في المجادلة والإدلاء بالحجة قال قتادة ما تكلمت امرأة ولها حجة إلا جعلتها على نفسها.
(٢) في الآية دليل على جواز لبس الذهب والحرير للنساء وهو إجماع إلا أن بعض السلف كان ينزه بناته عنه لقول أبي هريرة إياك يا بنية والتحلي بالذهب فإني أخاف عليك اللهب ، وقرأ نافع ينشأ وقرأ حفص (يُنَشَّؤُا) فالأول بتخفيف الشين والثاني بتشديدها الأول من : أنشأ والثاني من نشأ.
(٣) قرأ نافع عند الرحمن وقرأ حفص (عِبادُ الرَّحْمنِ) ولا منافاة والملائكة عند الرحمن في الملكوت الأعلى في حضرة القدس يتلقون خطاب الله مباشرة بلا واسطة وهم في واقع الأمر عباد الرحمن وجملة (الذين هم عند الرحمن إناثا) صفة للملائكة فهي في محل نصب.
(٤) قولهم منظور فيه إلى أن مشيئة الله وهي إرادته قسمان إرادة كونيّة وإرادة تكليفية شرعية فالإرادة الكونية القدرية هذه لا تتخلف أبدا فما شاء الله كان والإرادة الشرعية التكليفية هي التي قد تتخلّف لأن الله تعالى وهب عبده إرادة واختيارا وبحسب ما يختاره يكون جزاؤه والمشركون لا علم لهم بهذا فلذا نفى عنهم العلم رادا باطلهم بجهلهم.