حيران ، فقام مسنِداً ظهرَه إلى جدار من جُدران المدينة ويقول في نفسه : أمّا عشية أمس فليس على الأرض إنسان يذكر عيسى بن مريم إلّا قتل ، أمّا الغداة فأسمعهم وكلّ إنسان يذكر أمر عيسى لا يخاف ، ثمّ قال في نفسه : لعلّ هذه ليست بالمدينة التي أعرف (١).
وهذا يعرب عن أنّ الأكثرية الساحقة كانت موحّدة مؤمنة متديّنة بشريعة المسيح ، رغم ما كانوا على ضدّه قبل ثلاثمائة سنة.
وقال في تفسير قوله تعالى : (فَقالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْياناً) فقال الذين أعثرناهم على أصحاب الكهف : (ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْياناً رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ) يقول : ربّ الفتية أعلم بشأنهم ، وقوله : (قالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلى أَمْرِهِمْ) يقول جلّ ثناؤه : قال القوم الذين غلبوا على أمر أصحاب الكهف : (لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِداً).
وقد نُقل عن عبد الله بن عبيد بن عمير : فقال المشركون نبني عليهم بنياناً فإنّهم آباؤنا ونعبد الله فيها ، وقال المسلمون : نحن أحقّ بهم ، هم منّا ، نبني عليهم مسجداً فيه ونعبد الله فيه (٢).
الرأي المسبق يضرب عرض الجدار
إنّ الشيخ الألباني ربيب الوهابيّة ومروّجها ، لمّا رأى دلالة الآية على أنّ المسلمين حاولوا أنْ يبنوا مسجداً على قبورهم ، وكان ذلك على
__________________
(١) الطبري ، التفسير ١٥ : ٢١٩ في تفسير سورة الكهف ، الآية ١٩ ط. مصر مصطفى الحلبي.
(٢) الطبري ، التفسير ١٥ : ٢٢٥ ؛ ولاحظ تفسير القرطبي والكشاف للزمخشري وغرائب القرآن للنيسابوري في ذيل هذه الآية.