طرف الخلاف من عقيدته ، حاول تحريف الكلم وقال : إنّ المراد من الغالبين هم أهل السلطة ، ولا دليل على حجيّة فعلهم ، ولكنّه عزب عن أنّ البيئة قد انقلبت عن الشرك إلى التوحيد ومن الكفر إلى الإسلام حسبما نقله الطبري ، وليس القائل ببناء المسجد على بابهم الملك ، وإنّما القائل هم الذين توافدوا على باب الكهف عند ما أعثرهم سبحانه على أحوالهم ، وطبع الحال يقتضي توافد الأكثرية الساحقة القاطنين في المدينة على باب الكهف لا خصوص الملك ، ولا وزراؤه ، بل الموحّدون بأجمعهم ، وهو في هذه النسبة عيال على ابن كثير حيث قال : والظاهر أنّهم أصحاب النفوذ (١).
نحن نفترض أنّهم أصحاب النفوذ ، إلّا أنّهم نظروا إلى الموضوع من خلال منظار دينهم ومقتضى مذهبهم لا مقتضى سلطتهم.
تقرير القرآن على صحّة كلا الاقتراحين
إنّ الذكر الحكيم يذكر كلا الاقتراحين من دون أيّ نقدٍ ورد ، وليس صحيحاً قطعاً أن يذكر الله سبحانه عن هؤلاء المتواجدين على باب الكهف أمراً باطلاً من دون أيّة إشارة إلى بطلانه ، إذ لو كان كذلك كأن يكون أمراً محرّماً أو مقدّمة للشرك والانحراف عن التوحيد ، لكان عليه أن لا يمرّ عليها بلا إشارة إلى ضلالهم وانحرافهم ، خصوصاً أنّ سياق الآية بصدد المدح وأنّ أهل البلد اتّفقوا على تكريم هؤلاء الذين هجروا
__________________
(١) ابن كثير ، التفسير ٥ : ٣٧٥.