لذلك ، أو يرفعون لمراقدهم قواعد وسقفاً بعد الدفن ، تكريماً لهم وتقديرا لتضحياتهم ، ولم يخطر ببال أحد أنّه على خلاف الدين والشرع.
وهذا عمل المسلمين وسيرتهم القطعيّة في جميع الأقطار والأمصار ، على مرأى ومسمع الجميع وإنْ اختلفت نزعاتهم ، من بدء الإسلام إلى هذا العصر ، من الشيعة والسنّة ، وأي بلاد من بلاد الإسلام من مصر والعراق أو الحجاز أو سوريا ، وتونس ومراكش وإيران ، وهلم جرّا ، ليس فيها قبور مشيّدة ، وضرائح منجدة ، وهؤلاء أئمة المذاهب : الشافعي في مصر ، وأبو حنيفة في بغداد ، ومالك بالمدينة ، وتلك قبورهم من عصرهم إلى اليوم شاهقة القباب ، شامخة المباني ، غير أنّ الوهابيّين لمّا استولوا على المدينة هدموا قبر مالك.
وهذه القبور قد شُيّدت وبنيت في الأزمنة التي كانت حافلة بالعلماء وأرباب الفتاوى ، وزعماء المذاهب ، فما أنكر منهم نكر ، وليس هذا رائجاً بين المسلمين فقط ، بل جرى على هذا جميع عقلاء العالم ، بل يعدّ تعمير قبور الشخصيات من غرائز البشر ومقتضيات الحضارة وشارة الرقيّ ، فكلّ هذا دليل على الجواز لو لم نقل يفوق ذلك ، ولو لم تكن السيرة المسلّمة بين المسلمين والعقلاء عامّة غير مفيدة في المقام ، فلا يصحّ الاستناد إلى أيّة سيرة قاطعة بين المسلمين أو الناس.
وليس يصحّ في الأذهان شيء |
|
إذا احتاج النهار إلى دليل |
ثمّ إنّ الوهابيّين تمسّكوا بروايات ، إمّا عديمة الدلالة ، أو ضعيفة السند ، وسنذكر في الفصل الآتي بشكل عام مجملَ ما تمسّكوا به ليتبيّن مدى وعيهم.