أكبادهم الجلاميد ، يستأنسون بأهل الوقائع استئناس الظّبايا السّرائع ، ودام القتال إلى نصف النّهار ، فأمر السلطان بتوليتهم الظهور استدراجا ، فاغترّوا وانقضّوا على مواقعتهم ، واغتنموا الفرصة ، فكرّت عليهم الخيول بضربات غنيت بذواتها عن أدواتها ، فلم ترتفع منها واحدة إلّا عن دماغ منثور ، ونياط مبتور ، وصرع في المعركة رجال كهشيم المحتظر ، أو أعجاز نخل منقعر ، وأسر ابن سورى وسائر حاشيته ، وأفاء الله على السلطان ما اشتمل عليه حصنه من ذخائره التي اقتناها كابر عن كابر ، وورثها كافر عن كافر ، وأمر السلطان بإقامة شعار الإسلام فيما افتتحه من تلك القلاع ، فأفصحت بالدّين المنابر ، واشترك في عزّ دعوته البادي والحاضر ، ولعظم ما ورد على ابن سورى ، مصّ فصّ خاتم مسموم ، فأتلف نفسه ، وخسر الدنيا والآخرة.
* * *
وأمّا الأندلس فتمّ فيها فتن هائلة ، وانقضت أيام الأمويّين ، وتفرّقت الكلمة.
وفي ربيع الأوّل سنة أربعمائة دخل البربر والنّصارى قرطبة ، فقتلوا من أهلها أزيد من ثلاثين ألفا ، وتملّكها سليمان الأموي المستعين ، واستقرّ بها سبعة أشهر ، ثم بلغه أنّ المهدىّ الأمويّ ، وهو ابن عمّه ، قد استنجد بالنّصارى لأخذ الثأر منه ، فتأهّب ، ثمّ وقع بينهم مصافّ ، فانهزم البربر والمستعين ، وذلك في رابع شوّال ، ودخل المهدىّ قرطبة بدولته الثانية ، فصادرهم ، وفعل الأفاعيل ، وخرج يتبع البربر ، فكرّوا عليه فهزموه ، واستبيح عسكره ، وقتل نحو العشرين ألفا من أهل قرطبة (١) ، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون ، والله أعلم.
آخر الحوادث ، والحمد لله وحده.
* * *
__________________
(١) راجع : الكامل في التاريخ ٩ / ٢١٦ ـ ٢١٩.