السلطان في سنة أربعمائة لغزو الهند تقرّبا إلى الله ، فنهض يحثّ الخيول ، ويخترق الحزون والسّهول ، إلى أن توسّط ديار (١) الهند فاستباحها ، ونكّس أصنامها ، وأوقع بعظيم العلوج وقعة أفاء الله عليه بها أمواله ، وأغنم خيوله وأفياله ، وحكّم فيها سيوف أوليائه ، يحرسونهم ما بين كل سبسب وفدفد ، ويجرّرونهم عند كل مهبط ومصعد ، وردّ إلى غزنة بالغنائم ، فلما رأى ملك الهند ما صبّ الله عليه وعلى أهل مملكته من سوط العذاب بوقائع السلطان ، أيقن أنّه لا قبل له بثقل وطأته ، فأرسل إليه أعيان أقاربه ضارعا إليه في هدنة يقف فيها عند أمره ، ويسمح بماله ووفره ، على أن يقود إليه بادئ الأمر وخمسين فيلا ، معها مالا عظيم الخطر ، بما يضاهيه من مسار تلك الديار ، ومتاع تلك البقاع ، وعلى أن يناوب كلّ عام من أفناء عسكره في خدمة باب السلطان بألفي رجل ، إلى إتاوة معلومة. فأوجب السلطان إجابته ببذل طاعته ، وإعطائه الجزية عن يده ، وبعث إليه من طالبه بتصحيح المال ، وقود الأفيال ، فنفّذ ما وعدوا ، وانعقدت الهدنة ، وتتابعت القوافل من خراسان والهند ، ولله الحمد.
وبقيت جبال الغور في وسط ممالك السلطان محمود ، وبها قوم من الضّلّال الخالين عن سمة الإسلام يخيفون السّبيل ، ويتمنّعون بتلك الجبال الشواهق ، فأهمّ السلطان شأنهم ، وصمّم على تدويخ ديارهم وانتزاع بعرة الاستطالة من رءوسهم ، فأجلب عليهم بخيله ورجله ، وقدّم أمامه والى هراة التونتاش ، ووالى طوس أرسلان ، فسارا مقتحمين مضايق تلك المسالك ، إلى مضيق قد غصّ بالكماة ، فناوشوا الحرب تناوشا بطلت فيه العوامل إلا الصّوارم في الجماجم والخناجر في الحناجر ، وتصابر الفريقان ، حتى سالت نفوس ، وطارت رءوس ، فلحقهم السلطان في خواصّ أبطاله ، وجعل يلجئهم إلى ما وراءهم شيئا فشيئا ، إلى أن فرّقهم في عطفات الجبال ، واستفتح المجال إلى عظيم الكفرة المعروفة بابن سورى ، فغزاه في عقر داره ، وأحاط ببلده ، وشدّ عليه ، فبرز الرجل في عشرة آلاف كأنّما خلقوا من حديد ، وكأنّ
__________________
(١) في الأصل «وبار».