كون كل ما عداه مفتقرا إليه في الوجود ، وكونه غنيا عن كل ما عداه في الوجود. فيثبت أن المدة هي الشيء الذي يصدق عليه أنه واجب الوجود لذاته فقط. وذلك يوجب ما قلناه. ثم نقول : وصريح العقل شاهد بأن المدة [والزمان (١)] ليست إلا الواحد فقط. فإني أعلم أن هذه الساعة ليست إلا ساعة واحدة وأنها ليست ساعات كثيرة ، فعلى هذا التقدير يكون توحيد واجب الوجود لذاته : معلوما [بحكم (٢)] بديهة العقل من هذا الوجه.
ثم نقول : صريح العقل ناطق بأن الزمان والمدة ليس شيئا مختصا بجانب دون جانب ، ولا حاصلا في جهة دون جهة. فكان صريح العقل ناطقا من هذا الاعتبار بأن إله العالم غني عن [الجهة (٣)] والحيز ، ومنزه عن أن يكون جسما أو جسمانيا. ثم نقول : ثبت في العقول والشرائع : أنه سبحانه هو الأول والآخر والظاهر والباطن. وهذه الصفات لا تليق إلا بالمدة. وذلك لأن كل موجود يفرض وجوده فالمدة كانت سابقة عليه ، وأولا له ، وتكون [المدة أيضا (٤)] باقية بعده ، وآخرا له. وكون الشيء آخرا وأولا ، لا يليق إلا بالمدة. وأيضا: فالعلم بوجود المدة والزمان من أظهر العلوم الجلية كما قررناه. والعلم بماهيته المخصوصة ، وحقيقته المعينة من أخفى العلوم ، لأن عقول (٥) الخلق قاصرة عن الإحاطة بكنه ماهيته ، فكون الشيء ظاهرا وباطنا ، لا يليق إلا بالمدة (٦) وأيضا [فالمدة (٧)] أقرب من كل قريب ، لأن كون الواحد منا موجودا في هذه الساعة ، وفي هذه المدة ، من [أقرب الأشياء إليه (٨)] وهو أيضا أبعد من كل بعيد. لأن من أراد وجدان حقيقته المخصوصة [وماهيته المعينة (٩)] كان ذلك في غاية البعد. فهذا الموجود بحسب حقيقته المخصوصة واجب الوجود لذاته ، والعلم به بديهي ، لشهادة الفطرة بأن رفع المدة والزمان
__________________
(١) سقط (ط).
(٦) إلا بالمدة (ط) إلا به (م).
(٢) سقط (ط).
(٧) إلا به ، وهو أيضا أقرب ... الخ (م).
(٣) سقط (م).
(٨) من (م).
(٤) من (ط) ، (س).
(٩) من (ط).
(٥) علوم (ط) ، (س).