والموضوعية وخصوصياتها وعمومياتها وتلقينها وتوجيهها وأحكامها فهما صحيحا لا يتيسر إلا بملاحظة تسلسل السياق والتناسب ، وإن في أخذ القرآن آية آية أو عبارة عبارة أو كلمة كلمة بترا لوحدة السياق في كثير من المواقف والمواضيع ، وهو مؤدّ إلى التشويش على صحة التفهم والتدبر والإحاطة أو على حقيقة ومدى الهدف القرآني.
ولتمثيل ذلك وإيضاحه نذكر آية الصافات (٩٦) (وَاللهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ) فهذه الآية كثيرا ما تورد في معرض الحجاج والبرهنة في بعض المذاهب الكلامية على أن القرآن ينصّ على أن الله قد خلق أعمال الناس ، وبطلان القول الذي يقوله بعض المذاهب الكلامية الأخرى أن الإنسان خالق أفعال نفسه ومسؤول عن تبعتها. فبقطع النظر عن هذا الموضوع الكلامي الخلاقي فإن الذين يوردون الآية في معرض الحجاج والبرهان قلّما يلحظون أنها ليست تقريرا ربانيا مباشرا في صدد خلق الناس وخلق أعمالهم ، وبالتالي في صدد الموضوع الكلامي ، وإنما هي جزء من سلسلة تتضمن حكاية قول إبراهيم لقومه في سياق التنديد بهم ، لأنهم يعبدون ما ينحتون من الأصنام مع أن الله كما خلقهم خلق المادة التي يعملونها أي ينحتونها أصناما ليعبدوها ، وهي السلسلة [٨٣ ـ ١١٣] من السورة. فالآية هي جزء من حكاية أقوال إبراهيم ، ولو لوحظ السياق جميعه لما كان هناك محل لاقتطاع هذه الآية وحدها من السلسلة وتلقيها كتقرير رباني مباشر بخلق أعمال الناس ، كما أن من الواضح مع ملاحظة جزئية الآية من السلسلة أنها لا تصح أن تورد في معرض البرهان الذي تورد فيه ، هذا بقطع النظر عما ورد في السلسلة نفسها من نسبة العبادة والنحت والإلقاء وإرادة الكيد إلخ إلى قوم إبراهيم وتقرير صدور هذه الأعمال عنهم ..
ونذكر جملة (وَقاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً) في آية التوبة [٣٦] فكثير من المفسرين يفسرونها منفردة ويصفونها بأنها آية السيف ويقولون إنها نسخت كل ما جاء في القرآن من عدم قتال غير المعتدين والمقاتلين من المشركين ، وبذلك ينسفون آيات محكمة في هذا الصدد ، مع أن في الآية فقرة أخرى مرتبطة أشد