الارتباط بها ومحتوية للتعليل الرائع المعقول المتسق مع طبيعة الأمور للأمر الذي تضمنته بقتال المشركين كافة وهي (كَما يُقاتِلُونَكُمْ كَافَّةً) [التوبة : ٣٦] فلو لوحظ ذلك ولم تجزأ الآية لما كان محل لذلك التفسير والوصف والقول حيث يبدو واضحا أنها في معرض حثّ المسلمين على قتال المشركين المحاربين مجتمعين وإلبا واحدا كما يقاتلونهم كذلك ولزال الإشكال الذي ينشأ عن هذا التفسير ويؤدي إلى نسخ أحكام وآيات محكمة متسقة مع مبادئ القرآن ومثله السامية ، ومع طبائع الأمور ووقائع السيرة النبوية المؤيدة بالآيات من جهة والأحاديث من جهة أخرى وتعني حصر القتال في الأعداء المقاتلين أو المعتدين ودون المشركين والكفار المعاهدين الموفين بعهدهم والمحايدين والمسالمين والعاجزين والنساء والأطفال مما يقتضي قتالهم جميعا وفاق ذلك التفسير.
ونذكر آية المجادلة الثالثة كمثل ثالث ، وهي التي جاء فيها (وَالَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْ نِسائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا) فكثير من المفسرين ينظرون إلى هذه الآية مستقلة عن سابقتها ويحارون في تأويل جملة (ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا) حتى قال غير واحد منهم إن الجملة من مشكلات القرآن ، واضطروا إلى اعتبار «لما» بمعنى «عن ما» وقالوا إن الجملة تعني «ثم يرجعون عن ما قالوا عنه ويرغبون في معاشرة أزواجهم» أو إلى تأويلات أخرى ، هذا مع أن هذه الآية متصلة كل الاتصال بسابقتها التي جاء فيها (الَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسائِهِمْ ما هُنَّ أُمَّهاتِهِمْ إِنْ أُمَّهاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَراً مِنَ الْقَوْلِ وَزُوراً وَإِنَّ اللهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ) [المجادلة : ٢]. فلو لوحظ ذلك لما كان هناك محل لهذه الحيرة والإشكال والتأويل. فالآية الأولى نددت بالمظاهرين والظهار وعدته عملا منكرا ثم انتهت بمقطع (وَإِنَّ اللهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ) فكأنما تقدمت باستنكار الظهار من حيث المبدأ وتقرر أن الله يعفو ويغفر للمظاهرين قبل نزول هذا الاستنكار وبالتالي قبل نزول الآيتين على اعتبار أنه لم يكن مستنكرا ومنهيا عنه ثم أعقبتها الثانية لتقرر الحكم الإسلامي فالذين يعودون إلى ما نهوا عنه واستنكر أي الظهار بعد ذلك