على ما هو عليه من ترتيب وانسجام وترابط نظما وموضوعا من جهة ثانية ، وعلى نقاط الضعف في روايات كثيرة وردت في سياق الآيات القرآنية وخاصة في مكية بعض الآيات في السور المدنية ومدنية بعض الآيات في السور المكية من جهة ثالثة ، وتزيلان ما هو عالق في الذهن خطأ من أن الفصول القرآنية فوضى لا ترتيب ولا انسجام بينها من جهة رابعة.
ومن فوائد هذه الملاحظة المهمة إزالة وهم التعارض والتناقض في نصوص القرآن وتقريراته المتكررة بأساليب متنوعة حسب المواقف والمناسبات وخاصة في القصص والمواعظ والإنذار والتبشير والمشاهد الكونية والأخروية ، وبنوع أخص في عبارات وجمل الهداية والضلال والكفر والإيمان وتزيين الأعمال والطبع على القلب وتسليط الشياطين والإغواء ومسؤولية الإنسان عن عمله وحكمة الله في عدم خلق الناس أمة واحدة إلخ ، ففي تدبر سياق كل مناسبة وكل جملة قرآنية من هذا القبيل يمكن أن يلمح الناظر في القرآن حكمة ورود كل منها بالأسلوب الذي وردت به والمناسبة التي جاء فيها والمعنى الذي أريد منها والهدف الذي استهدفه ، وكل هذا قد يكون متنوعا بتنوع المواقف والأساليب والمضامين والسياق ، فيطمئن بسلامة المعنى وحكمة النصّ الوارد في السياق الذي ورد فيه ، ويزول وهم التعارض والتناقض وما يؤدي إليه من الحيرة أحيانا ، ويحمل عليه من التكلف والتجوز والتخريج والجدل على غير ضرورة ولا طائل وعلى غير اتساق مع الهدف القرآني ونطاقه.
فأنت مثلا إذا أخذت جملة (يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ*) في آية فاطر [٨] وجملة (كَذلِكَ يُضِلُّ اللهُ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ) في آية المدثر [٣١] وقعت في حيرة لأن هناك آيات كثيرة جاء في بعضها (وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ) الكهف : [٢٩] وفي بعضها (قَدْ جاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها) .. يونس : [١٠٨].
ولكنك إذا قرأت سياق آيتي فاطر والمدثر كوحدة [٣ ـ ١٠ فاطر] و [١ ـ ٣١