المدثر] ظهر لك المعنى سائغا مفهوما ، وبدا لك أنهما استهدفتا فيما استهدفتاه التنديد بالكافرين والضالين والحملة عليهم من جهة والتنويه بالمؤمنين الصالحين وتطمينهم وتبشيرهم من جهة وتسلية النبي فيما ألم به من حزن وحسرة على مكابرة الكافرين وعنادهم من جهة ، بل ظهر لك أن تلك المعاني التي تقررها آيات الكهف ويونس منطوية في نفس سياق جملتي سورتي فاطر والمدثر حيث احتوى سياق آية فاطر (يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللهِ الْغَرُورُ (٥) إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّما يَدْعُوا حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحابِ السَّعِيرِ (٦) الَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (٧) أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً فَإِنَّ اللهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ) [٥ ـ ٨] وحيث احتوى سياق آية المدثر (إِنَّها لَإِحْدَى الْكُبَرِ (٣٥) نَذِيراً لِلْبَشَرِ (٣٦) لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ (٣٧) كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ (٣٨)). ويطرد هذا في أمثال كثيرة مثل آية البقرة [١٦] مع سياقها وآية النحل [٩٣] مع سياقها وآية القصص [٥٦] مع سياقها وآيتي يونس [٩٩ ـ ١٠٠] مع سياقها إلخ مما عليه في التفسير عند مناسباته.
وأنت إذا أخذت مثلا جملة (إِنَّا جَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذاً أَبَداً) في سورة الكهف الآية [٥٨] لحدتها وجدت نفسك أمام مشكلة محيرة لأنها توهم أن الله قد صرف الكفار عن فهم القرآن والتأثر به وحتم عليهم عدم الإجابة والاهتداء ، ولكنك إذا تدبرت سياق الآية جميعه [الآيات ٤٥ ـ ٥٩] بل أول الآية التي وردت فيها ظهر لك قصد وصف مكابرة الكفار وعنادهم والتسرية عن النبي إزاء هذه المكابرة والعناد. ويطرد هذا كذلك في أمثال كثيرة كآيات هود : [١١٨] والرعد : [٣١] والبقرة : [٧] ويس : [٩] وسياقها.
ونقول استطرادا إن هذه الأمثلة قد كانت موضوع أخذ ورد وجدل في كتب التفسير بسبب صلتها بالموضوع الخلافي الكلامي في صدد فعل الإنسان وكسبه