سياقها وظروف نزولها وهدفها ، ولم يقتطع منها الجمل وينظر فيها على حدة كما يفعل أصحاب المذاهب الكلامية في تشادهم ومجادلاتهم فيما بينهم ـ وهذا هو موضوع هذا المبحث في الأصل ـ يستطيع أن يتبين أهداف القرآن في العبارات الواردة تبينا يزول معه من نفسه ما قد يقوم من وهم التعارض والتناقض في آياته ، والقرآن بريء من التعارض والتناقض بنص صريح فيه جاء في آية النساء : [٨٢](أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً) ويجد حلا لما يبدو من إشكال وتعليلا سائغا لما يوهم ظاهره من معان متعارضة فيه ، ويظهر له أن كثيرا مما دار ويدور من جدل ونقاش وحجاج وخلاف لا تتحمله عبارات القرآن ولا تقتضيه ، وليس من ورائه طائل ولا ضرورة. وإن هذه العبارات ليست في صدد هذه التقريرات الكلامية ، وفي الأمثلة التي أوردناها دلائل كافية ، وهي مطردة في سائر فصول القرآن ومجموعاته التي وردت أمثالها فيها ، ثم يجد ـ وهذا مهم جدا ـ أن النصوص والأهداف القرآنية تجري في مدى هداية الناس ودعوتهم إلى الخير وإصلاحهم وتوجيههم إلى أفضل الوجهات وأنفعها ، والتنويه بالمستجيبين المهتدين الصالحين المتقين المحسنين وتبشيرهم وتطمينهم والتحذير من الفساد والإثم والفاحشة وإنكار الله ووحدته وكمال صفاته والتنديد بالضالين الآثمين المكابرين المنافقين الظالمين وإنذارهم ، ولا تجري في أي حال في مجرى التقريرات الكلامية التي يدور حولها الخلاف والجدل المذهبي ، وهذا هو أسلوب الحكيم الذي يعلمنا إياه القرآن في جميع الأمور ، المتسق مع طبائع الأشياء وحقائقها ونعني كون القرآن يخاطب بشرا تعورف على أنهم ذوو قابليات وكسب واختيار ، وأن لهم أثرا فيما يصدر عنهم من أعمال وأقوال ومواقف وفقا لما تمليه عليهم عقولهم وميولهم ومداركهم وتقديراتهم ومنافعهم وظروفهم الخاصة والعامة ، وأنهم متفاوتون في كل هذا وأنهم ذوو تمييز للخير والشر والحسن والقبيح في نطاق تلك العقول والميول والمدارك والتقديرات والمنافع والظروف والقابليات المتفاوتة ، وأن المهم في الأمر هو دعوتهم إلى الهدى والخير وإخراجهم من الظلمات إلى النور وإنقاذهم من الضلال وإثارة نفوسهم وإيقاظ