(قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلا تَتَّبِعُوا أَهْواءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيراً وَضَلُّوا عَنْ سَواءِ السَّبِيلِ) (٧٧) [المائدة / ٧٧] وهذه الآيات مدنية حيث ينطوي في هذا تدعيم لما قلناه من أن القول هو من قبيل التطبيق في العهد المدني نتيجة لمواقف النصارى واليهود في هذا العهد ، والله أعلم.
وبناء على ذلك يتبادر لنا والله أعلم أن جملة (الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ) في أولى سور القرآن قد تضمنت التنبيه على أن صنوف الناس عند الله ثلاثة ، صنف أنعم الله عليه فاهتدى وسار على طريقه المستقيم. وصنف انحرف عن هذا الطريق عن علم ومكر واستكبار فاستحق غضب الله. وصنف انحرف عن هذا الطريق ضلالا بغير علم وبينة ثم ظل منحرفا دون أن يهتدي بما أنزل الله على رسله فلزمته صفة الضلالة. والتصنيف رائع جليل شامل.
وفي القرآن الذي جاءت سورة الفاتحة براعة استهلال له صور متنوعة منه في صدد أهل الكتاب وغيرهم. وقد أوردنا آنفا بعض الآيات بالنسبة لأهل الكتاب.
وهذه بعض آيات بالنسبة لغيرهم : (وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ جاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ فَلَمَّا جاءَهُمْ نَذِيرٌ ما زادَهُمْ إِلَّا نُفُوراً (٤٢) اسْتِكْباراً فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ) [فاطر / ٤٢ ـ ٤٣] ، وفي هذه الآيات نموذج لمن ينحرف مكرا واستكبارا.
وهذه آيات فيها نماذج عن الضلال بغير علم والاستمرار فيه : (فَرِيقاً هَدى وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ اللهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ) (٣٠) [الأعراف / ٣٠] ، و (يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَضُرُّهُ وَما لا يَنْفَعُهُ ذلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ (١٢) يَدْعُوا لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ لَبِئْسَ الْمَوْلى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ) (١٣) [الحج / ١٢ ـ ١٣]. والأمثلة كثيرة سوف تأتي في السور الآتية فنكتفي بما تقدم.