تعليق على ما في الآيات
(كَلَّا إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى (٦) أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى (٧))
من تلقين ثم من مدى ومغزى
في صدد أهداف الرسالة الإسلامية
وهذه الآيات بخاصة محل لتعليق آخر من حيث إنها تجعل الطغيان نتيجة لكثرة المال والغنى. ولقد احتوت سور كثيرة مبكرة في النزول حملة على شدة حبّ المال والحرص عليه والتباهي به واعتباره عنوانا للكرامة وتنديدا بذلك مثل سور القلم والمزمل والمدثر والمسد والفجر والعاديات والتكاثر والهمزة والبلد ممّا لم نر إيراده لأنه سوف يأتي بعد قليل.
ولقد احتوت هذه السور وسور أخرى مبكرة في النزول أيضا مثل الليل والأعلى والنجم فضلا عن سور كثيرة أخرى نزلت في مختلف أدوار التنزيل حضا على إطعام المساكين والتصدّق على الفقراء وتزكية المال والإنفاق في سبيل الله. واحتوت في الوقت نفسه صورا عديدة من مواقف الأغنياء المناوئة لنبوة النبي ودعوته إلى جانب الزعماء حيث يبدو أن الأغنياء بدورهم رأوا في هذه النبوة والدعوة تهديدا لثرواتهم فتضامنوا مع الزعماء في المناوأة منذ عهد مبكر جدا واستحقوا وصف الطغيان الذي احتوته الآيات.
وبالإضافة إلى ما في هذا من تلقين جليل سلبي وإيجابي للمسلم فإنه ينطوي على مدى ومغزى عظيمين في صدد الرسالة الإسلامية التي يمثلها القرآن في الدرجة الأولى. وهما كون هذه الرسالة قد جاءت في جملة ما جاءت به للحدّ من جشع الإنسان للمال وتكالبه عليه والدعوة إلى مساعدة المحتاجين خطورة إليه. وورود هذا في السور المبكرة في النزول يسبغ على ذلك المدى والمغزى خطورة خاصة ، وقد استمر ذلك بأساليب متنوعة في سور كثيرة أخرى مما يزيد في قوة هذه الخطورة.