هذه : (وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ) [١٤٤] ، وفي آية سورة الأعراف هذه : (قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرًّا إِلَّا ما شاءَ اللهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَما مَسَّنِيَ السُّوءُ) [١٨٨] ، وفي آية سورة الكهف هذه : (قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً) (١١٠) ، والمتبادر أن ذلك متأتّ من قصور الأفهام عن إدراك ما في أخلاق النبي صلىاللهعليهوسلم من عظمة وما في نفسه من صفاء ، وما في قلبه من إيمان وإخلاص جعله أهلا لاصطفاء الله ، فحفزهم إلى البحث عن أسباب أخرى ، فيها ما فيها من الغلو الذي لا ينسجم مع طبائع الأشياء ، ولا يتسق مع نصوص القرآن.
والآيات من أوائل القرآن نزولا على كل حال ، وهذا يعني أن الخلق العظيم الذي كان عليه النبي صلىاللهعليهوسلم ، واستحق به هذا الثناء البليغ الرباني ، قد كان مما تحلى به قبل البعثة ، وهو الذي أهّله للاصطفاء والمهمة العظمى ، والله أعلم حيث يجعل رسالته. ولقد جاء في حديث للبخاري عن عائشة أن السيدة خديجة رضي الله عنها حينما عاد إليها بعد نزول الوحي عليه لأول مرة ، وقصّ عليها ما رآه وسمعه وقال لها : «إني خشيت على نفسي قالت له كلا والله ما يخزيك الله أبدا ، إنك لتصل الرحم وتحمل الكلّ وتكسب المعدوم ، وتقري الضيف وتعين على نوائب الحق» (١) ، وجاء في الحديث الذي رواه الطبري عن عبد الله (٢) بن الزبير أنها قالت له حينما قال لها إني خشيت أن أكون شاعرا أو مجنونا : «أعيذك بالله من ذلك يا أبا القاسم ، ما كان الله ليصنع ذلك بك مع ما أعلم منك من صدق حديثك وعظم أمانتك وحسن خلقك وصلة رحمك» وهذا مما يؤيد قولنا ، لأن هذه الأخلاق الكريمة مما كان يتحلى به النبي صلىاللهعليهوسلم قبل بعثته.
__________________
(١) انظر كتاب «التاج الجامع للأصول في أحاديث الرسول» للشيخ منصور علي ناصف ج ٣ ص ٢٢٦ طبعة ثانية نشر دار إحياء الكتب العربية.
(٢) «تاريخ الطبري» ج ٢ ص ٤٧ ـ ٤٨.