«لا تكتبوا عني غير القرآن» فلا ينافي ذلك لأن الكلام في كتابة مخصوصة على صفة مخصوصة. وقد كان القرآن كلّه كتب في عهد رسول الله لكن غير مجموع في موضع واحد ولا مرتب السور.
٢ ـ وقد روى البخاري حديثا عن زيد بن ثابت عن جمع القرآن بعد وفاة النبي هذا نصه : قال زيد أرسل إليّ أبو بكر بعد مقتل أهل اليمامة فإذا عمر بن الخطاب عنده فقال أبو بكر إن عمر أتاني فقال إن القتل استحر يوم اليمامة بقرّاء القرآن وإني أخشى أن يستحر القتل بالقراء في المواطن فيذهب كثير من القرآن وإني أرى أن نأمر بجمع القرآن. فقلت لعمر كيف نفعل شيئا لم يفعله رسول الله قال عمر هو والله خير. فلم يزل يراجعني حتى شرح الله صدري بذلك ورأيت الذي رأى عمر. قال أبو بكر إنك شاب عاقل لا نتهمك وقد كنت تكتب الوحي لرسول الله فتتبع القرآن فاجمعه. فو الله لو كلفوني في نقل جبل من الجبال ما كان أثقل علي مما أمراني به من جمع القرآن. قلت فكيف تفعلان شيئا لم يفعله رسول الله. قال هو والله خير. فلم يزل أبو بكر يراجعني حتى شرح الله صدري للّذي شرح صدر أبي بكر وعمر. فتتبعت القرآن أجمعه من العسب والقحاف وصدور الرجال. ووجدت آخر سورة التوبة مع أبي خزيمة الأنصاري لم أجدها مع غيره. فكانت الصحف عند أبي بكر ثم عند عمر ثم عند حفصة.
٣ ـ وقد روى ابن شهاب حديثا جاء فيه إن أبا بكر قال بعد أن تمّ جمع القرآن التمسوا له اسما فقال بعضهم السفر وقال بعضهم المصحف فإن الحبشة يسمونه المصحف. فسماه أبو بكر المصحف. وقد أورد المظفري رواية أخرى جاء فيها أن أبا بكر لما قال سمّوه قال بعضهم سمّوه إنجيلا فكرهوه وقال بعضهم سمّوه السفر فكرهوه فقال ابن مسعود رأيت بالحبشة كتابا يدعونه المصحف (١) فسمّوه به.
__________________
(١) القول بأنه اقترح أن تسمّى المجموعة إنجيلا محل نظر في ذاته لأن أصحاب رسول الله يعرفون أن هذه التسمية خاصة بكتاب عيسى والنصارى. ولقد قيل إن كلمة «المصحف» دخيلة ونحن نرى ذلك غريبا لأن معنى هذا أنها لم تكن معروفة الأصل والاشتقاق والمعنى