قوله قدسسره : فيدور الأمر بين المصلحة المظنونة والمفسدة المظنونة (١).
أقول : ولكن الفرق بينهما أنّ المصلحة المظنونة يظنّ تداركها ، وعدم ترتّب مفسدة على المكلّف في فوتها. وأمّا المفسدة المرتّبة على سلوك الطّريق الذي يظنّ منع الشارع عنه ، فلا يظنّ تداركها. ومن المعلوم أنّه عند الدوران مراعاة الثاني أولى بنظر العقل ، لأنّ احتمال ترتّب المفسدة على فوت الواقع موهوم ، وعلى سلوك الطريق مظنون كما هو ظاهر.
قوله قدسسره : فيلاحظ مرتبة هذا الظّن (٢).
أقول : بعد تسليم المقدّمات ، ودوران الأمر بين المصلحة المظنونة والمفسدة المظنونة ، التحرّز عن المفسدة أولى من جلب المصلحة ، إلّا أن تكون المصلحة ملزمة ، فيكون في فوتها مفسدة ، فحينئذ لا بدّ من مراعاة نفس المفسدتين أيضا ، لا مجرّد كون الظّن المتعلّق بإحداهما أقوى ، إذ ربّما تكون مفسدة إحداهما أشدّ ، بحيث يلزم العقل بالتحرّز عنه عند الدوران ، وإن كان احتماله أضعف من الآخر.
هذا كلّه بعد الإغماض عن أنّ الملحوظ في حكم العقل بالنسبة إلى الأحكام الشرعيّة أوّلا وبالذات إنّما هو الطّاعة والمعصية ، لا المصالح والمفاسد التي هي من خواصّ الأفعال.
وقد عرفت أنّه إذا كان مناط حكم العقل لزوم تحصيل ما فيه رضا الشارع ، فلا محالة يقدّم الظّن المانع ، حيث أنّه يظنّ فيه برضا الشارع ، وأنّه هو تكليفه الفعلي ، وإن ظنّ بكونه موجبا لفوات المصلحة الواقعية ، والله العالم.
* * *
__________________
(١) فرائد الأصول : ص ١٦٣ سطر ٢١ ، ١ / ٥٣٦.
(٢) فرائد الأصول : ص ١٦٣ سطر ٢٢ ، ١ / ٥٣٦.