نستدلّ بهذه القاعدة لجواز الارتكاب في الشبهات الموضوعية التي ليس بيانها وظيفة الشارع ، وكذا في الشبهات الحكمية التي علم بأنّ الشارع بيّن فيها ما هو وظيفته ، ولكن اختفى علينا لبعض دواعي الاختفاء ، فالشهادة المزبورة غير مجدية في مثل هذه الفروض ، بل لا بدّ فيها من التشبّث بحكم آخر للعقل والعقلاء ، وهو قبح المؤاخذة على ما لا طريق للمكلّف إلى العلم به ، بإرشاد عقله أو دلالة الشرع ، فالمراد بالبيان في المقام هو مطلق طريق معرفة التكليف ، لا خصوص الاعلام ، كما يوهمه العبارة ، فليتأمّل.
قوله قدسسره : والظاهر أنّ المراد ما لا يطاق الامتثال به ، وإتيانه بقصد الطاعة ... الخ (١).
أقول : هذا التفسير لا يخلو من إجمال.
وتوضيحه : إنّه يمتنع أن يلتزم المكلّف بفعل ليس له طريق من عقل أو نقل يرشده إلى لزومه ، فإلزام المكلّف بالخروج عن عهدة ذلك الفعل الذي لم يعلم لزومه عليه ، تكليف بغير المقدور ، ومؤاخذته على ترك امتثال الأمر الواقعي الذي لم يعلمه قبيح ، فانّه ما لم يعلم بمطلوبيّة الفعل لا يعقل أن يدعوه طلبه الواقعي المتعلّق به إلى العمل ، فلا يكون بعنوان إيجاده بقصد امتثال ذلك الطلب فعلا اختياريا له.
نعم ، متى احتمل كونه مطلوبا في الواقع ، ربّما يبعثه الاحتمال على الخروج عن عهدة الأمر المحتمل ، فيأتي بالفعل برجاء المطلوبية ، فيصحّ عبادة ، ولكن لا يصدق عليه اسم الإطاعة ، ولا يحسن مؤاخذته على ترك الاعتناء بهذا الاحتمال ما لم يكن دليل عقلي أو نقلي يدلّ على لزوم رعايته.
والحاصل أنّ التزام المكلّف بالخروج عن عهدة تكليف ، موقوف على أن
__________________
(١) فرائد الأصول : ص ٢٠٤ سطر ٤ ، ٢ / ٥٨.