وفيه : ـ بعد الغضّ عن أنّ التمسّك بالاصول العدميّة ، الجارية بالنسبة إلى الأحكام التكليفية والوضعية في كلمات المصنّف رحمهالله ، فضلا عن غيره فوق حدّ الاحصاء ، كما لا يخفى على من تتبّع كلماته ـ إنّ المراد بالامور الشرعيّة ليس خصوص الأحكام المجعولة ، بل أعمّ منها ومن عدمها ، إذ يكفي في كونه شرعيّا كون زمام أمره وضعا ورفعا بيد الشارع ، وسره أنّه لا مقتضى لصرف الأخبار الناهية عن نقض اليقين بالشكّ عن مثل ذلك ، إذ كما يصحّ للشارع أن يقول «من كان على يقين من وجوب الشيء الفلاني فليمض على يقينه» ، كذلك له أن يقول «من كان على يقين من عدم وجوب شيء فليمض على يقينه» ، فكما أنّ أمر الشارع بالبناء على الوجوب السابق بمنزلة إنشاء الوجوب بالفعل ، وكذلك أمره بالبناء على العدم السابق بمنزلة إمضائه لذلك العدم ، فلا يقاس هذا بالامور الخارجيّة التي لا يعمّها أدلّة الاستصحاب إلّا بلحاظ آثارها المجعولة ، كما لا يخفى على المتأمّل.
قوله قدسسره : والمتبادر من التهلكة في الأحكام الشرعيّة الدينيّة هي الأخروية ... الخ (١).
أقول : ليس المراد بالهلكة في هذه الأخبار ، نفس المضرّة والمفسدة كي يدّعى انصرافها إلى الآخر منه ، إذ لا معنى للاقتحام في الضرر أو العقاب إلّا بلحاظ سببه ، أي الفعل الذي يترتّب عليه الضرر أو العقوبة ، فقوله عليهالسلام «الوقوف عند الشّبهة خير من الاقتحام في الهلكة» معناه أنّ الوقوف عند ما يحتمل كونه حراما ، خير من الاقتحام في الحرام ، وإنّما أطلق اسم الهلكة على الحرام بلحاظ كونه مضرّا بحال المكلّف ، وموجبا لاستحقاق العقاب على تقدير عدم معذوريته في الارتكاب ، فيكفي علاقة لصحّة إطلاق اسم الهلكة على ارتكاب فعل الحرام ، كونه مشتملا على
__________________
(١) فرائد الأصول : ص ٢٠٨ سطر ١ ، ٢ / ٧١.