قوله قدسسره : اللهمّ إلّا أن يقال بعد النقض ... الخ (١).
أقول : يتوجّه على النقض المزبور أنّه فرق بين أوامر الاحتياط والأوامر الواقعيّة المتعلّقة بالعبادات ، حيث أنّه ثبت في هذه الأوامر بالأدلة الخارجية أنّ المقصود بها ليس صرف إيجاد متعلّقاتها كيف اتّفق ، وإنّما المقصود إيجادها بداعي القربة ، وهذا بخلاف أوامر الاحتياط ، فانّه لم يثبت ذلك فيها ، بل ثبت خلافه ، فانّ المقصود منها ـ بشهادة العقل والنقل ـ ليس إلّا إيجاد متعلّقها أعني الاحتياط ، ولذا قلنا إنّ الأوامر المتعلّقة بها كأوامر الإطاعة ليست إلّا للإرشاد ، فلا يقاس هذه الأوامر بالأوامر الواقعيّة التي اريد بها الإطاعة من حيث هي.
نعم ، لو انحصر متعلّق الأمر بالاحتياط في مثل المقام الذي لا يتأتّى الاحتياط إلّا بقصد القربة ، المتوقّف على تعلّق الأمر به ـ كما هو المفروض ـ لا بجهة الالتزام بهذا التوجيه كما في الأوامر الواقعيّة ، ولكنّك خبير بعدم اختصاص شيء من الأدلّة بذلك ، فعدم تأتّي الاحتياط على هذا التقدير ، قرينة عقلية لصرف أوامره إلى غير مورد الفرض.
اللهمّ إلّا أن يقال : إنّ هذا الكلام مبنيّ على حمل أوامر الاحتياط وغيرها ـ ممّا ذكره المستدلّ ـ على الطلب الشرعي دون الإرشاد العقلي ، ومعه لا محيص عن الالتزام بما ذكره لوجهين :
الأوّل : إنّ المنساق من الأوامر الشرعية ، إنّما هو إرادة إيجاد ذوات متعلّقاتها المعنويّة ، بعناوين موضوعها بالنظر إلى نفسها ، من غير ملاحظة توقّفها على قصد القربة ، أي المنهية التي لو أتى بها إطاعة لله صدق عليه عنوان المأمور به ، بمعنى أنّ هذه الخصوصيّة غير ملحوظة في متعلّقات الأوامر ، سواء كانت معتبرة فيها
__________________
(١) فرائد الأصول : ص ٢٢٩ سطر ٧ ، ٢ / ١٥٢.