قوله قدسسره : وحاصل معنى تلك الصّحيحة ... الخ (١).
أقول : توجيه الصحيحة بما وجّهه في هذا المقام في غاية البعد ، بل الوجه فيه ما عرفت فيما سبق عند الاستدلال بها ، لجواز ارتكاب الشبهة التحريمية ، وقد بيّنا في ذلك المقام محتملات الرواية ، وأشرنا إلى أنّ أظهرها ما ذكره المصنّف رحمهالله من أنّ المراد بها «كلّ شيء» أي كلّي فيه قسم حلال وقسم حرام ، كالجبن واللّحم وغير ذلك ، فهو لك حلال حتّى تعلم أنّ مورد ابتلائك من القسم الحرام ، وهي أجنبية عمّا نحن فيه.
ولو سلّم ظهورها في إرادة الشّبهة المحصورة ، فلا بدّ من صرفها إلى ما إذا لم يكن بعض أطرافها مورد ابتلاء المكلّف ، أو غيره من المحامل ، بعد أن عرفت استقلال العقل بامتناع تعلّق الرّخصة بارتكاب الحرام المعلوم ، المردّد بين الأطراف التي هي من لوازم الرخصة في ارتكاب كلّ منها.
ولو سلّمنا إمكان ذلك عقلا ، فلا شبهة في أنّه من الامور المستبعدة عن الأذهان ، فلا يمكن إثباتها بمثل هذه الظواهر ، بل لا بدّ في إثبات مثل هذه الأحكام التي يستبعدها العقول بإيراد نصّ صحيح صريح غير قابل للتأويل ، وإلّا فكلّما يرد على الذهن من مثل هذه الظواهر ، يصرفها عن ظاهرها لما فيه من الاستبعاد ، ألا ترى أنّه لا يكاد يتوهّم أحد أنّه يفهم من مثل هذه الأخبار جواز وطي كلّ من المرأتين اللّتين يعلم بأنّ إحداهما زوجة والاخرى أجنبيّة ، وإن كانت الأجنبيّة أيضا مسبوقة بالزوجية ، بحيث يكون مقتضى الأصل في كلّ منهما من حيث هي الجواز ، كما لا يخفى.
قوله قدسسره : والمسلّم منه ما إذا لم يسبق بالتكليف المعيّن ... الخ (٢).
أقول : يعني التخيير الاستمراري إنّما يعقل فيما إذا كان الأمر دائرا بين
__________________
(١) فرائد الأصول : ص ٢٤٢ سطر ١١ ، ٢ / ٢٠٤.
(٢) فرائد الأصول : ص ٢٤٢ سطر ٢٢ ، ٢ / ٢٠٥.