وامّا إذا كان الشّك ناشئا من اشتباه الامور الخارجية ، بأن تردّد الثوب الخاصّ مثلا بين كونه ثوبه الذي بالفعل مورد حاجته ، وبين ثوب شخص آخر أجنبيّ عنه فلا ، بل يرجع إلى الاصول العملية الجارية في المقام.
ولا يخفى عليك أنّ سوق عبارة المصنّف رحمهالله يشعر بأنّه جعل المقام من قبيل التقييد بالمجمل ، كما يؤيّد ذلك تنظيره بسائر المفاهيم العرفيّة التي يتعذّر ضبط مفهومها ، فعلى هذا يتّجه التفصيل بين الشبهات المفهومية والمصداقية ، ولكن ما نحن فيه ليس كذلك ، إذ الحاكم بخروج غير المبتلى عن تحت أدلّة التكاليف هو العقل والعرف ، الذين لا يدور حكمهما مدار صدق مفهوم مجمل ، بل يتعلّق حكمهما بنفس المصاديق من حيث هي كما تبيّن في محلّه ، فيكون المتّجه حينئذ الرجوع إلى اصالة الإطلاق في جميع موارد الشّك ، من غير فرق بين الشبهات المفهومية والمصداقية.
هذا كلّه على تقدير تسليم كون إطلاقات ما دلّ على الاجتناب عن المحرّمات بحكم العقل والعرف مقيّدة بصورة الابتلاء ، وهو محلّ نظر ، بل منع كما تقدّمت الإشارة إليه آنفا ، إذ ليس المقصود بتحريم شيء على المكلّف إلّا منعه عن ارتكابه ، بحيث لو أراد أن يرتكبه لم يجز له ذلك ، فمعنى قول الشارع «حرّم عليكم الميتة والخمر ولحم الخنزير» ، أنّه لزم عليكم الاجتناب عن هذه الامور ، فليس للمكلّف أن يبلى نفسه بشرب الخمر مثلا ، بحيث لو علم أنّه لو جعله من موارد ابتلائه ، يضطرّ إلى شربه بإكراه ونحوه ، وجب عليه أن لا يجعله كذلك ، لأنّ حرمته عليه مشروطة بكونه في مورد ابتلائه كي يلزمه جواز جعله من مورد الابتلاء في الفرض المزبور ، ضرورة أنّه لو كان الابتلاء شرطا في التحريم امتنع أن يكون التحريم سببا لحرمة نفس الابتلاء.
وامّا ما تراه من استهجان توجيه التكليف بالاجتناب عنه إلى غير المبتلى ، فهو ليس إلّا كقبح توجيه الأمر بفعل شيء ـ مثل الإنفاق على أولاده وزوجته ـ إلى