قوله قدسسره : والأقوى هو الأوّل (١).
أقول : قد يتأمّل فيما قوّاه سيّد مشايخنا (دام أيّام إفاضاته) بما حاصله :
إنّ العقاب على ما لم يكن للمكلّف طريق إلى الامتثال به عقلا أو جعلا قبيح ، فلا يترتّب على ترك الامتثال ـ فيما لا طريق له إلى الامتثال منصوبا من الشارع ، بعد فرض عدم تمكّنه من تحصيل العلم ـ إلّا ما يترتّب على ارتكاب ما كان حلالا في الواقع ولم يتفحّص ، أعني مجرّد التجرّي ، فلو قلنا بترتّب العقاب عليه فهو ، وإلّا فلا شيء عليه.
فحاصل مختاره : إنّه لا يعاقب الجاهل التارك للفحص ـ لو لم نقل بحرمة التجرّي ـ إلّا على الواقعيات التي يكون له إليها طريق ظاهري ، بحيث لو تفحّص عنه لظفر به ، ولا يستلزم ذلك الالتزام بانقلاب التكاليف الواقعية إلى مؤدّيات الطرق ، بل اللّازم عليه الالتزام بعدم تنجّز الواقعيّات في حقّ الجاهل الذي لم ينصب له إليها طريق ، وهذا ممّا لا محذور فيه.
ولكن يتوجّه عليه أنّ العلم الإجمالي بأنّ عليه تكاليف واقعية كالتفصيلي ، طريق عقلي إلى الواقعيّات موجب لتنجّزها ، لما تقرّر في الشّبهة المحصورة من أنّ الجهل التفصيلي ليس مانعا عن توجّه التكاليف ، بل يكفي في تنجّزها وحسن المؤاخذة على مخالفتها ، حكم العقل بلزوم الاحتياط دفعا للضرر المحتمل ، فالمقتضي العقاب ـ وهو حصول مخالفة الأحكام الواقعية ـ موجود والمانع مفقود ، وقيام الطريق المعتبر على خلافه لا يصلح للمانعية ، إلّا في حقّ من تشبّث به ، لا في حقّ من لم يلتفت إليه ولا يعلم بوجوده ووقع في محذور مخالفة الواقع بمخالفة حكم العقل بوجوب الاحتياط ، فما قوّاه المصنّف رحمهالله هو الحقّ الذي لا يعتريه ريب ، والله العالم.
__________________
(١) فرائد الاصول : ص ٣٠٧ سطر ٢١ ، ٢ / ٤٣٥.