فهذا البناء يدلّ على خروج العدمي من محلّ النزاع بوجهين :
الأوّل : عدم الخلاف في عدم احتياج العدم في بقائه إلى المؤثّر ، وأنّه لو خلّي ونفسه يبقى ، لأنّ علّته عدم علّة الوجود التي هي من قبيل الرّافع ، واستناد العلّية إليه من حيث أنّ عدم الرافع من أسباب البقاء ، وإلّا فليس في العدميات تأثير وتأثّر ، والمستصحب الوجودي ـ على تقدير عدم احتياجه في البقاء إلى المؤثّر ـ يصير حاله حال العدمي كما لا يخفى.
وثانيهما : تسالمهم على الحجّية على تقدير الاستغناء ، مع أنّ القائل بكفاية العلّة المحدثة لا يقول بكونها علّة تامّة للبقاء ، وإلّا لم يعقل الشكّ فيه ، بل يقول بأنّ الشيء بعد أن حدث لو خلّي ونفسه يبقى ما لم يرفعه رافع ، فالتزامهم بالحجّية ـ على هذا التقدير ـ كاشف عن عدم اعتنائهم باحتمال وجود المانع ، فيظهر منه أنّ اصالة عدم المانع عندهم من المسلّمات ، بحيث لا يلتفتون إلى احتمال خلافها ، وقد أشرنا إلى أنّ الشكّ في بقاء المستصحب لا تزال من هذا القبيل.
فتلخّص ممّا ذكر : أنّ هذا الاستدلال غير قابل للمناقشة ، فلا بدّ امّا من منع الابتناء ، أو الالتزام بخروج العدميات من محلّ النزاع ، فلاحظ وتدبّر.
قوله قدسسره : وهو الحكم العقلي المتوصّل به إلى حكم شرعيّ (١).
أقول : المراد بالحكم العقلي ـ كما يظهر من عبارة المصنّف رحمهالله في طيّ كلماته الآتية ـ إدراك العقل حسن الفعل وقبحه ، وبهذا التفسير يتّضح لك معنى قولهم «إنّ الواجبات الشرعية ألطاف في العقليات» بعد تفسيرهم اللّطف بما يقرّب إلى الطّاعة ويبعّد عن المعصية ، لأنّ الواجبات العقليّة قلّما تتمثّل لو لم يكن على طبقها أمر شرعي مولوي يوجب إطاعته ومخالفته استحقاق الثواب والعقاب ، فالالتزام
__________________
(١) فرائد الاصول : ص ٣٢٥ سطر ٢ ، ٣ / ٣٧.