وأنّها ألطاف في الواجبات العقلية ، لأنّه بناء على هذا يتّحد موضوع الواجب العقلي والواجب الشرعي في جميع الواجبات ، كما يشهد به قاعدة التطابق ، فما هو حسن واقعا موضوع للوجوب شرعا ، كما هو موضوع حكم العقل بلزوم ارتكابه ، وما هو قبيح واقعا موضوع للحرمة شرعا ، كما أنّه موضوع لإلزام العقل بالتحرّز عنه ، ولا يختصّ هذا بالمستقلّات العقلية ، بل هو عام في مطلق الأحكام الشرعية ، على حسب ما يقتضيه قاعدة التطابق ، فالموضوع لحكم العقل والشرع هو الحسن والقبح الواقعيّان ، فكما أنّ الشكّ في بقاء الحسن أو القبح راجع إلى الشكّ في الموضوع ، كذلك الشكّ في بقاء الحكم الشرعي راجع إلى الشكّ في بقاء موضوعه.
وحاصل دفع الإشكال : إنّ ما ذكرت من اتحاد مناط الحكمين ، وكذا موضوعهما واقعا مسلّم ولكنّه مانع عن التفكيك بين الحكمين في إجراء الاستصحاب في أحدهما دون الآخر ، إذا كان مبنى الاستصحاب على الظنّ ، إذ لا يعقل حصول الظنّ ببقاء الحرمة دون القبح ، بعد إثبات الملازمة بينهما.
وامّا لو كان بناء الاستصحاب على التعبّد فلا ، إذا المدار حينئذ على ما يستفاد من دليل الاستصحاب ، ومن المعلوم أنّه لا يدلّ إلّا على التعبّد بالحالة السابقة في الشرعيات. وامّا ما ذكرت من أنّ الشكّ في بقاء الحكم الشرعي مرجعه إلى الشكّ في بقاء عنوان الموضوع الواقعي ، الذي هو المناط في الحكم العقلي فهو مسلّم ، إلّا أنّ قوام الاستصحاب ليس على إحراز الموضوع بهذا المعنى ، وإلّا لم يعقل الشكّ في الحكم ، بل المناط إحراز ما هو الموضوع في ظاهر الأدلّة أو بحكم العرف ، ومن المعلوم إمكان تغاير الموضوع في الأحكام الشرعية ، نظرا إلى ظواهر الأدلّة مع ما هو المناط الواقعي ، والسرّ في ذلك أنّ للشارع أن يعبّر عن الموضوع الواقعي بعناوين أخر ملازمة لما هو الموضوع في حكم العقل ، أو أخصّ منه ، إذا لم يتعلّق