والظاهر أنّ المراد بالشكّ في المقتضى ، بقرينة جعله في مقابل الشك في الرافع ، ما يعمّ كلا القسمين ، إلّا أنّ ظاهر بعض من ذهب إليه التفصيل بين القسمين جريان الاستصحاب فيما لو شكّ في حصول الغاية المعلومة ، كما في الفرض ، فعدّ استصحاب الليل والنهار من قبيل الشكّ في المقتضى مطلقا ، واسناد القول بعدم الحجّية فيه مطلقا إلى المفصّلين لا يخلو عن نظر.
قوله قدسسره : والأقوى هو القول التاسع ... إلخ (١).
أقول : وممّا يدلّ على حجّية الاستصحاب ـ فيما عدى الشكّ في المقتضى مطلقا ـ استقرار طريقة العقلاء في أمورهم ، على عدم ترتيب أثر الوجود على ما لوجوده أثر إلّا بعد إحراز وجوده ، ولا يعتنون باحتمال وجوده أصلا إلّا من باب حسن الاحتياط في بعض الموارد ، كما سنوضّحه إن شاء الله عند تعرّض المصنّف قدسسره لاستدلال المثبتين. وليس مرجع ما ذكرنا إلى دعوى اعتبار الاستصحاب العدمي من باب الظنّ ، حتّى يتوجّه عليها ما سيجيء من الاعتراضات ، بل المدّعى أن العقلاء ـ على ما نراهم ـ لا يرتّبون أثر الوجود على شيء إلّا بعد إحراز موضوعه ، ولا يعتنون في رفع اليد عمّا هم عليه بمجرّد احتمال ما يقتضي خلافه ، ونراهم يعلّلون جريهم على ما بأيديهم من العمل وعدم الاعتناء بالمحتمل ، بعدم الثبوت لديهم ، من دون التفاتهم إلى أنّه ما لم يثبت الخلاف فهو مظنون البقاء ، بل اتكالهم في ترك الاعتناء بالمحتمل الموجب لرفع اليد عن العمل السابق ، ليس إلّا عدم ثبوته هذا ، مع أنّ العلم في الأحكام العرفية غالبا طريق محض ، ومع ذلك يعاملون معه معاملة الموضوع ، فكأنّ الحكم لديهم مرتّب على الموضوع المعلوم ، ولأجل هذا الأمر
__________________
(١) فرائد الاصول : ص ٣٢٨ سطر ١٧ ، ٣ / ٥١.