المغروس في الأذهان لا يعتني العقلاء باحتمال وجود القرينة في رفع اليد عن ظواهر القول والفعل ، ولا الوكيل باحتمال موت الموكّل ، ولا المستعير باحتمال موت المعير ، ولا المتّهب باحتمال موت الواهب قبل قبض العين الموهوبة ، ولا العبد المأمور بشيء باحتمال موت مولاه وانتقاله إلى غيره ، أو فسخ عزمه ، وكذا لا يلتفت إلى التكاليف التي يحتمل صدورها من مولاه في ترك امتثالها بعدم العلم ، من دون التفاته أوّلا وبالذات إلى قبح العقاب من دون بيان ، أو اعتمادا على الظنّ ببقاء الحالة السابقة من نفي التكليف ، بل يتركها بصرف طبعه أوّلا اعتمادا على عدم ثبوته ، وسيجيء لذلك مزيد توضيح إن شاء الله ، فيما سيمرّ بك من استدلال المثبتين مطلقا ببناء العقلاء إن شاء الله تعالى.
إذا عرفت ذلك فنقول : إذا احتمل المكلّف ابتداء ثبوت حكم شرعي ، وكذا إذا احتمل العبد صدور حكم من مولاه ، أو ثبوت شيء يترتّب عليه حكم شرعي أو مولوي ، لا يجب الالتفات إليه بحكم العرف ، وهذا هو الذي نسمّيه بالبراءة الأصلية ، وقد عرفت أنّ وجه عدم الالتفات أوّلا وبالذات ـ بشهادة الوجدان ـ إنّما هو عدم الثبوت ، وان كان العقل أيضا مستقلّا بقبح العقاب من دون برهان ، إلّا أنّ بناء العقلاء يشهد بأنّ عدم الثبوت في حدّ ذاته علّة لعدم الالتفات ، كما نشاهده في سائر امورهم العادية ، هذا هو الحال في الاستصحابات العدميّة.
وأمّا الاستصحابات الوجودية ، فما كان الشكّ فيه مسبّبا عن الشكّ في وجود غايته أو رافعه ، سواء كان الشكّ ناشئا عن أصل الوجود أو صفة الموجود ، فلا يلتفت إليه ، بل يمضي على ما يقتضيه يقينه السابق ، لا للاتكال على وجوده السابق ، بل لعدم الاعتناء باحتمال وجود المزيل ، المستلزم للجري على ما يقتضيه يقينه السابق.
وامّا ما كان الشكّ فيه لعدم إحراز مقتضاه ، فلا يلتفت إلى احتمال وجوده حال