المبنى لا يوهن البناء ، والاتكال إنّما هو على البناء لا على ما ذكروه من المبنى ، وقد بيّنا أنّ البناء مبناه عدم الاعتناء باحتمال الوجود ، لا الاعتماد على بقاء الموجود من حيث هو.
لا يقال : ما ذكرت ينافي ما تقدّم في تعريف الاستصحاب ، من أنّه «ابقاء ما كان لأجل أنّه كان» حيث أن علّة الإبقاء على ما ذكرت عدم الاعتناء بوجود المزيل ، لا وجوده السابق من حيث هو.
لأنّا نقول : قد عرفت فيما سبق أن كون وجوده السابق علّة للإبقاء ، إنّما هو بنحو من الاعتبار ، لأنّ وجوده السابق حقيقة هو العلّة للحكم بالبقاء ، فانّ علّة الإبقاء امّا الظنّ الحاصل من الغلبة ، أو التعبّد الشرعي ، أو التعبّد العقلائي بعدم الاعتناء باحتمال وجود الرافع ، في رفع اليد اليد عن أثر الشيء الذي لو خلى ونفسه يبقى كما هو المختار.
وإن أبيت عن تسمية ما ادّعينا حجّيته بالاستصحاب ، فسمّه بأصل العدم الذي كاد يكون اعتباره لشيوع دورانه على الألسن من البديهيّات.
ثمّ لا يخفى عليك أنّ بناء العقلاء ليس أمرا مضبوطا ، بحيث لم يبق مجال للشكّ في مصاديقه ، بل الشكّ يتطرّق في كثير من الموارد :
منها : قاعدة المقتضى والمانع ، إذ لا وثوق ببناء العقلاء على ترتيب أثر المقتضى «بالفتح» بمجرّد إحراز المقتضي ، بل المظنون لو لم يكن مقطوعا به عدمه ، إذ لم يعهد من عاقل ترتيب أثر موت المورّث بمجرّد إحراز حدوث ما يقتضيه ، كشرب السمّ أو رمي سهم إليه ، مع احتمال اقترانه بوجود المانع ، وكذا غيره من الأمثلة التي لا تحصى.
ومنها : ما لو استلزم المستصحب موضوعا جديدا نيط به حكم جديد ، من دون أن يكون هذا الموضوع بنفسه من أحكام المستصحب بنظر العرف ، بل من