دليل على ذلك.
وكيف كان ، فهذا الكلام فرضيّ لا محصّل له ، إذ لم يصل إلينا دليل سمعي يفي بإثبات ذلك ، ولم يدّعه أحد ، وإنّما المدّعى إثباته بدلالة العقل ، وهي أيضا متيقّنة لما أشرنا إليه من أنّ الفعل بعنوان ذاته ، أو بعنوان كونه تجريا ليس فعلا اختياريّا ، فلا يتّصف الفعل بملاحظتهما بحسن أو قبح ، وأمّا بعنوان كونه معلوم الحرمة ، وإن كان فعلا اختياريا ، إلّا أنّ هذا العنوان ليس بنفسه ممّا يدرك العقل بملاحظته عروض جهة محسّنة أو مقبحة في متعلّقه غير قبيحة ، الناشئ عن المفسدة الثابتة في المتعلّق من حيث هو ، فليس للعقل طريق إلى إحراز حكم آخر لنفس العلم من حيث هو ، غير حكم المتعلّق الذي رآه منجرا على المكلّف بواسطة العلم.
وبالجملة ، إنّ القول بكون الاعتقاد من جهات الفعل التي يصير بسببها الفعل حراما شرعيّا ، ممّا لا تأمّل في ضعفه.
ولكن يمكن تحرير النزاع بوجه آخر وهو : إنّ الانقياد والتجري بنظر العقل والعقلاء في حكم الإطاعة والمعصية ، في استحقاق فاعلهما المدح والثواب والذمّ والعقاب ، أم لا بل الاستحقاق إنّما هو من آثار الإطاعة والمعصية الحقيقيتين؟
وعلى هذا التحرير لا يبعد القول بالاستحقاق وإن لم يتصف الانقياد بكونه واجبا شرعيا ، ولا التجرّي بكونه حراما شرعيّا ، كنفس الاطاعة والمعصية على ما تقرّر في محلّه ، نظرا إلى أنّ ترتيب المدح والثواب على فعل الواجبات ، ليس لأجل صدور ذات الواجب وتحقّقه في الخارج من حيث هي ، بل لا مدخلية لذلك في الاستحقاق أصلا ، حيث لا يعود نفعها الكامن فيها إلّا إلى نفس الفاعل ، كما لو أمر الأب ابنه بشرب دواء نافع له ، فانّه لا يستحق بسبب الشرب من حيث هو اجرا على الأب ، وإنّما يستحق المدح والإكرام بسبب إطاعة أمره من حيث هي.