هذا ، مع أنّ العبد لا يستحقّ من سيّده اجرة العمل ، لكونه مملوكا له ، وإنّما يستحق الإكرام بواسطة صدقه في مقام العبودية ، وادائه لما عليه من حقّ المولى ، وكذا الكلام في المعصية فانّ استحقاق المذمّة عليها ليس لحصول ضرر من فعله ، بل لكونها خروجا عمّا يستحقه المولى من الطّاعة ، وحيث أنّ المناط في استحقاق الثواب والعقاب نفس الإطاعة والمعصية من حيث هما ، مع قطع النظر عن متعلّقهما ، أمكن أن يقال إنّ الإتيان بما اعتقد وجوبه بعنوان الإطاعة كنفس الاطاعة ، من حيث كونها موجبة للمدح والإكرام ، وكذا الإقدام على ما اعتقد حرمته ، كالاقدام على نفس الحرام ، في كونه موجبا لاستحقاق الإهانة والخذلان.
وببيان أوفى : إنّ في معصية العبد لسيّده جهات من القبح ، لو استقل كلّ منهما بالملاحظة لأثّر فيما تعلّق به نهيا شرعيّا ، كإساءة الأدب ، والجرأة على سيّده ، وانتهاك حرمته ، وعدم الاعتناء به ، والمبالات بأمره ، ونحو ذلك ، ومن الواضح أنّه لو أظهر شيئا من هذه العناوين بفعل أو قول ، كأن قال مثلا «أنا لا أعتني بقولك» أو «لا ابالي بمخالفتك» أو «لست أنت بنظري بمكان أوثر طاعتك على هواي» ، لو أظهر هذه المعاني بسائر أفعاله ، لقد فرّط في حق مولاه ، وفعل قبيحا بحكم العقل وشهادة العقلاء ، وهذه الجهات بأسرها منتزعة من ذات المعصية ، وهي بذاتها غير قابلة لأن يتعلّق بها نهي شرعي ، وعند عدم مصادفتها للواقع لا يتخلّف عنها إلّا بعض هذه الجهات ، وهي مخالفة النهي من حيث هي دون سائر الجهات ، وحيث أنّ فعله لم يتحقّق إلّا بعنوان المعصية ، لا يتنجّز عليه بحكم العقل إلّا النهي عن المعصية الذي هو إرشادي عقلي مصحّح للعقاب على الفعل المأتي به بهذا العنوان بجميع جهاته المقبحة له ، الحاصلة بوقوعه بهذا العنوان ، ومن هنا لا يبعد أن يدّعى أنّ عدم المصادفة يؤثر في قلّة ما يستحقّه من المؤاخذة ، لا نفيه رأسا ، فليتأمّل.