الخيالي لمفسدته الذاتية ، حتّى يحسن الفعل فيتبعه الأمر الشرعي ، وكذا لو اعتقد أنّ الشيء الفلاني نافع له ويجب شربه ، مع كونه في الواقع سمّا قاتلا له ، لا يجوز من الشارع أمره بشربه.
نعم ، هو بنفسه معذور في ارتكاب ما اعتقد بحكم العقل ، وامّا صحّة الخطاب الشرعي فهي دائرة مدار مصلحة ذات الشيء ، ولو بعد طروّ العنوان ، فهذا العنوان مثل سائر العناوين الطارئة ـ كإطاعة الوالد ونحوها ـ إنّما يؤثر في الموارد الخالية عن المصلحة الملزمة لا غير ، إن قلنا بأنّ الجهة الطارئة الخيالية لا تكافئ المصلحة الذاتية الملزمة ، بحيث تغلب عليها ، حتّى يظهر أثر العنوان الطارئ.
وإن قلنا بصلاحيتها للغلبة على بعض الذاتيات أيضا ، فيتبع الحكم الشرعي موارد الغلبة ولا يتعداها ، وهذا ظاهر.
ولكنّك خبير بأنّ ما ذكره من التفصيل ، وفاقا للمفصّل المذكور ، لا يتوجّه به كلامه بظاهره ، حيث أنّه قدسسره جعل قبح نفس التجرّي بالوجوه والاعتبار ، وهذا غير معقول ، لأنّه من جهات الفعل التي بسببها يعرضه القبح ، فلا يعقل أن تكون نفس الجهة أيضا قبحها عرضيا تابعا للموارد ، لأنّ ما بالعرض ينتهي إلى ما بالذّات ، فيتوجّه عليه حينئذ ما ذكره المصنّف قدسسره من الاعتراضات.
إلّا أنّ الإنصاف غلبة الظنّ بإرادته من التجرّي في كلامه الفعل المتجرّى به لا نفس التجرّي فيندفع عنه الاعتراضات المذكورة ، لكن المبنى فاسد كما عرفت.
هذا ، مع أنّ ما ذكرناه وجها للتفصيل لا يخلو في حدّ ذاته من نظر ، لأنّ الحكم الفعلي يتبع الجهة التي يتنجّز بالنسبة إليه الخطاب ، وكون الفعل متضمّنا لمفسدة قاهرة غير مانع عن ذلك ، عند كون المكلّف معذورا من جهتها ، كما يأتي التنبيه على ذلك عند التكلّم في صحّة صلاة الجاهل بالغصب وناسيه في حواشي أصل البراءة ، فليتأمّل.