بالنسبة إلى الزمان السابق ـ لكان مقتضاه القول الأوّل ، الذي بيّن المصنّف رحمهالله ضعفه بما لا مزيد عليه.
وإن اريد به ورود النهي فيه بالفعل ، بأن يكون المراد به أنّ مشكوك الحكم ما لم يعلم حرمته بالفعل فهو مباح ، سواء علم بكونه حراما في السابق أم لم يعلم ، كما هو مفاد أدلّة البراءة على ما صرّح به المصنّف آنفا ، فما دلّ على إبقاء النهي السابق إلى زمان الشكّ ينافيه ، ولكنّه أخصّ مطلقا لو كان الدليل واردا فيه بالخصوص.
إلّا أنّ دليل الاستصحاب ليس كذلك ، بل يعمّ الشّبهة الموضوعية والوجوبية ، وسائر موارد الشكّ في المكلّف به ممّا لا يعمّه أدلّة البراءة ، فهو أعمّ من وجه من أدلّة البراءة ، ولا حكومة لأحدهما على الآخر بمقتضى هذا التقرير ، بل هما حكمان متنافيان واردان على الموضوع المشكوك ، فيتعارضان في مورد الاجتماع ، فحكومة الاستصحاب على سائر الاصول إنّما هو بلحاظ أنّ مفاد دليله وجوب تنزيل الشاكّ نفسه منزلة المتيقّن ببقاء ما كان ، لا من حيث كونه تعميما للحكم السابق ، بل من حيث كونه تنزيلا للمشكوك منزلة المتيقّن في مقام العمل ، إذ لا معنى لذلك لدى التحليل إلّا المنع عن الرجوع إلى الاصول المقرّرة للشاكّ من حيث هو ، وهذا معنى الحكومة كما مرّ توضيحه مرارا ، فلاحظ.
قوله قدسسره : فانّه قد استدلّ بها جماعة كالعلّامة ... الخ (١).
أقول : قد تقدّم تقريب الاستدلال بها لأصل الإباحة في مبحث أصل البراءة ، واتّضح عدم منافاة الأمثلة المذكورة للدّلالة على المطلوب ، فراجع.
__________________
(١) فرائد الاصول : ص ٤٢٣ سطر ٢٤ ، ٣ / ٣٩٠.