وكيف كان ، فقد ظهر بما أشرنا إليه في توضيح مرام المصنّف رحمهالله اندفاع ما قد يتوهّم من أنّه يرد عليه أنّ النسبة بين المتعارضين إنّما تلاحظ بين ذوات الأدلّة التي حصّلها المجتهد ، لا بوصف اطلاعه عليه ، لأنّ هذا الوصف لم يؤخذ قيدا في موضوع الأحكام الواقعيّة ، وحيث أنّ موضوعها أعمّ من صورتي العلم والجهل ، فلا يجدي تقييد موضوع الاصول بصورة الجهل في دفع المعارضة ، فإن حكم الشارع بحرمة العصير ونجاسته على الإطلاق ، يعارض حكمه بطهارته وحلّيته مع الجهل ، غاية الأمر أنّ أحد المتعارضين
أخصّ من الآخر ، وما لم يطّلع المجتهد على حكم الشارع بحرمته ونجاسته ، لا يعلم بأنّ كلّ شيء حلال وطاهر ما لم يعلم حرمته ونجاسته مبتلى بالتعارض في خصوص المورد ، وبعد الاطّلاع عليه يعلم بأن إطلاق الحكم الأوّل مع عموم الحكم الثاني متنافيان ، فلا بدّ في رفع المعارضة إمّا من الالتزام بعدم كون الأحكام الظاهرية أحكاما حقيقية ، بل هي من قبيل الأعذار العقلية ، أو التزام بعدم التضاد بين الأحكام مع اختلافها في المرتبة من حيث الفعلية والشأنية ، وتحقيقه موكول إلى محلّه ، وقد تقدّم بعض الكلام فيه فيما علّقناه على أوائل أصل البراءة فراجع.
والحاصل : إنّ تقييد موضوع الاصول بالجهل لا يجدي في رفع المعارضة بينها وبين الأحكام الواقعية المخالفة لها ، وإنّما المجدي إنكار المضادّة ، أو انكار كون الأحكام الظاهرية أحكاما حقيقة ، كما لا يخفى.
توضيح الاندفاع : إنّ المقصود بالبحث عنه في هذا المقام ، إنّما هو بيان النسبة بين المتعارضين من حيث الدليلية ، لا من حيث الدّلالة ، فلم يقصد المصنّف رحمهالله بهذا الكلام تصحيح اجتماع الأحكام الظاهرية والواقعية المخالفة لها بالالتزام بتغاير موضوعيهما ، حتّى يتوجّه عليه ما ذكر ، فانّ هذا أمر أجنبي عمّا تعلّق الغرض بالبحث عنه في هذا المبحث ، وإنّما المقصود في هذا المقام التنبيه على أنّ جعل الاصول معارضة