وهذا بخلاف الظاهرين الذين لا يمكن الجمع بينهما إلّا بتأويلهما ، كما هو محلّ الكلام ، فانّ القطع بصدور كلّ منهما ، وإن كان موجبا للقطع بعدم إرادة الظاهر من الآخر ، لكنّه موجب لتخصيص ما دلّ على وجوب الأخذ بظاهر اللفظ ، حيث أنّه يفهم من ذلك أنّ المتكلّم ارتكب خلاف القاعدة المقرّرة عند أرباب اللسان لنكتة ، فيخصّص به عموم حجّية الظواهر ، هذا إذا كان قطعيا.
وامّا إذا كان ظنّيا ، ودلّ دليل بعمومه على حجّيته ، يدور الأمر بين ارتكاب خلاف الأصل في هذا الدليل ، بأن تخصّصه بما عدا هذا الفرد ، أو في الدليل الدال على حجّية ظواهر الألفاظ ، وليس أحدهما أولى من الآخر ، فليتأمّل.
قوله قدسسره : بحيث لو اجتمعا في كلام واحد ... الخ (١).
أقول : سنشير إن شاء الله عند توجيه الجمع بين الأخبار ، إلى أن تنزيل الأخبار المتوجّهة إلى أشخاص متعدّدة ، خصوصا في أعصار متباعدة ، منزلة كلام واحد أو كلامين متّصلين لمتكلّم واحد ، في صلاحية بعضها قرينة لصرف بعض عن ظاهره ، لا يخلو عن إشكال ، حيث أنّ مثل هذه القرينة التي لا يعرفها المخاطب ، بل ربّما تتأخّر صدورها عن عصره ، لا يحسن توجيه الخطاب إليه بما له ظاهر ، مع إرادة خلافه.
والالتزام في مثل هذه الموارد ، بكون القرائن المنفصلة كاشفة عن احتفاف الكلام حال صدوره بقرائن حالية أو مقالية متّصلة ، مرشدة للمخاطبين إلى خلاف ظاهره ، مع مخالفته للأصل في غاية الإشكال ، بل لا ينبغي الارتياب في أنّ الأمر لم يكن كذلك في الغالب ، فيشكل حينئذ جعل النصوص الظنّية قرينة لصرف ظاهر الخطابات المتوجّهة إلى أشخاص آخرين ، كتخصيص عمومات الأخبار النبويّة أو
__________________
(١) فرائد الاصول : ص ٤٣٦ سطر ٢ ، ٤ / ٢٦.