بتركه ، أو كونه مبغوضا على وجه لا يرضى بفعله ، فيندفع بذلك ما قد يتوهّم ، من أنّ غاية ما يمكن ادّعائه ، إنّما هو إدراك العقل كون ما رآه حسنا أو قبيحا ، محبوبا أو مبغوضا عند الله تعالى ، وامّا أنّه صدر منه تعالى أمر أو نهي مولوي يجب إطاعته فلا ، لأنّ وجوب الإطاعة من آثار الالتزام بالفعل أو الترك بخطاب مولوي ، لا مجرّد المحبوبية والمبغوضية ، فمن الجائز أن لا يتحقّق إنشاء الحكم الذي هو عبارة عن الالتزام بالفعل أو الترك ، إلّا ببيان الحجج الذين ورد فيهم أنّهم لسان الله الناطق.
توضيح الاندفاع : إنّ وجوب إطاعة العبد لمولاه ، من آثار إرادته النفسانيّة المستكشفة بإنشاء الحكم ، لا من آثار نفس الإنشاء من حيث هو ، مع أنّ من يدّعي استكشاف الحكم الشرعي بواسطة العقل ، بقاعدة الملازمة ، إنّما يدّعى استكشاف صدور أمر مولوي من الشارع بقاعدة اللّطف.
وامّا الكلام في أنّ أمر الله تعالى الذي يجب على العباد امتثاله ، هل هو إرادته للفعل ، أو أمر وراء ذلك؟ فهو أجنبيّ عن المقام ، خصوصا بعد أن ثبت بالنصّ والإجماع أنّ لله تعالى في كلّ واقعة حكما ، حتّى أرش الخدش (١) ، فيجب على العباد اتّباعه بعد إحرازه بأي طريق كان ، سواء قلنا بأنّ تبليغ الحجج كان شرطا في تحقيقه أم لم نقل ، ضرورة أنّ ثبوت الحكم لكلّ واقعة فرع حصول شرطه ، فيكشف النصّ والإجماع الدالّان عليه أن تبليغ الحجّة ـ على تقدير كونه شرطا ـ كان حاصلا ، ولو
__________________
(١) إشارة منه قدسسره لصحيحة أبي بصير المروية في باب ٤٨ من كتاب الديات ، الحديث الأوّل من كتاب (وسائل الشيعة) وإليك نصّها :
محمّد بن يعقوب ، عن عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد ، عن عبد الله الحجّال ، عن أحمد بن عمر الحلبي ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليهالسلام في حديث : «قال : إنّ عندنا الجامعة ، قلت : وما الجامعة؟ قال : صحيفة فيها كلّ حلال وحرام ، وكلّ شيء يحتاج إليه النّاس حتّى الأرش في الخدش ...».