العارف بلغة المجتهد في استخراج فتاواه من رسالته ، وبحال الوسائط الذين ينقلون فتاواه إليه ، فإذا كان فتوى المجتهد حجّية ظواهر عبائره المدوّنة في رسالته ، أو قول العادل الناقل لفتواه ، وأنّ الحكم لدى معارضة حجّة بمثلها هو التخيير ، كما في تعارض الخبرين ، ليس للمترجم القادر على فهم رسالته ، أو تحقيق حال الوسائط الناقلين لفتواه ، إلزام سائر العوام الذين يرجعون إليه ويعوّلون على فهمه ، لكونه عندهم من أهل الخبرة في هذا الفن بمضمون أحد المتعارضين ، بل عليه إمّا شرح الحال ، أو اخبارهم إجمالا بكونهم مخيّرين في العمل بمفاد الخبرين ، ولا ينافيه كون التخيير أوّلا وبالذّات في المسألة الاصولية ـ أي الأخذ بأحد الخبرين ـ لا في الحكم الفرعي ، إذ المقلّد لدى التحليل معوّل في تخييره على ما يراه مجتهده وجها له ، فلا فرق لدى التحقيق بين ما لو ترجّح أحد الخبرين بنظر المجتهد يرى وجوب العمل به عينا ، أو تكافئا فرأى جواز الأخذ بكلّ منهما ، فكما أنّ تعيّن الأخذ بالراجح أوّلا وبالذّات هو وظيفة المجتهد ، الذي ترجّح أحد الخبرين بنظره ، كذلك التخيير عند تكافئهما ، ولكن نظره في الترجيح والتخيير قائم مقام نظر كلّ من يعتمد عليه ويعوّل على نظره ، فلاحظ وتدبّر فانّه لا يخلو عن دقّة.
قوله قدسسره : فالظّاهر أنّها مسوقة لبيان وظيفة المتحيّر في ابتداء الأمر ... الخ (١).
أقول : بل هي بحسب الظّاهر مسوقة لبيان حكم المتحيّر من حيث هو ، كما أنّ ما دلّ على الترجيح ، مسوق لبيان حكمه عند ترجّح أحد الخبرين لديه بشيء من المرجّحات ، من غير فرق بين كون ذلك في ابتداء أمره أو بعده ، إن كان آخذا بأحد الخبرين إمّا لجهله بالمعارض أو لكونه أرجح لديه.
والحاصل : إنّ دعوى كونها مسوقة لبيان حكم المتحيّر في ابتداء الأمر ، غير
__________________
(١) فرائد الاصول : ص ٤٤٠ سطر ٢٠ ، ٤ / ٤٣.