نعم ، لو بنينا على التعدّي عن المرجّحات المنصوصة ـ كما هو الأظهر ـ اتّجه الأخذ بأوثق الخبرين ، سواء نشأ ذلك من أوثقية راويه وأضبطيته ، أو أضبطية كتابه ، أو غير ذلك من الأسباب المورثة للأوثقية ، بخلاف ما إذا لم يكن أحدهما أوثق من الآخر ، فلا ترجيح حينئذ وإن كان راوي أحدهما في حدّ ذاته أعدل وأصدق ، إذ المدار حينئذ على أوثقيّة الرواية.
بل الذي يقوى في النظر ، أنّ بناء العرف والشرع في باب التراجيح على هذا ، وما ذكر في الروايات من المرجّحات المنصوصة من باب التنبيه على الامور المورثة للأوثقية ، بكون مضمون أحد الخبرين هو الحكم الشرعي الواقعي.
ثمّ ، إنّا لو قلنا بوجوب الترجيح بالأعدلية ونحوها من صفات الراوي ، فلا يكاد يمكننا الترجيح بهذا المرجّح في شيء من الأخبار ، فانّه موقوف وجهه على إحراز هذه الصّفة في مجموع سلسلة الرواية ، بالمقايسة إلى ما يقابله كما لا يخفى وجهه ، وهذا ممّا لا طريق لنا إليه كما هو واضح.
وكيف كان ، ففي جملة من الأخبار جعل أحدثية أحد الخبرين من المرجّحات ، ولم يتعرّض له المصنّف رحمهالله ، كما أنّ الأصحاب أيضا لم يلتفتوا إليه في مقام الترجيح ، وسرّه أنّ هذا مخصوص بمن ألقي إليه الخبر المتأخّر ، حيث أنّ تكليفه العمل به كيفما كان ، كما أنّ في بعض تلك الأخبار إشارة إلى ذلك ، حيث قال عليهالسلام : «إنّا والله لا ندخلنّكم إلّا فيما يسعكم» فمتى أمرنا بشيء يجب علينا اتّباع أمره من غير اعتراض بمناقضته لكلامه السابق ، فانّه أعرف بحكم الله ، وما يقتضيه تكليفه وتكليفنا بحسب مصلحة الوقت ، ولكن سائر المكلّفين الذين يجب عليهم استفراغ الوسع في تمييز ما كان منهما مسوقا لبيان الحكم الواقعي عمّا عداه ، فليس عليهم الأخذ بالأحدث ، بل عليهم التحرّي والأخذ بما هو الأقرب إلى الواقع باستعمال سائر المرجّحات ، وكيف لا وإلّا لم يبق موقع للتراجيح المنصوصة في سائر الروايات ، كما لا يخفى.