ينافي ذلك كونه في حدّ ذاته مجملا ، فيمكن أن يكون المراد بالنهي عن اتّباع المتشابه ، النّهي عن حمل الكلمة التي تنصرف على وجوه ، على بعض جهاته ببعض المناسبات أو الدواعي النفسانية ، من غير قرينة عقلية أو نقلية دالّة عليه ، كما أنّ هذه لعلّه هو المراد باتّباع المتشابه في قوله تعالى :
(فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ)(١) ولكن الظّاهر أنّ المقصود بالروايتين التنبيه على أنّ الأخبار الصّادرة منهم ربّما اريد منها خلاف ظاهرها ، فلا يجوز المبادرة إلى اتّباع ما يتراءى من شيء منها في بادئ الرأي ، قبل الفحص وبذل الجهد في استكشاف مرادهم ، بالتدبّر والالتفات إلى سائر كلماتهم ، وغيرها من القرائن والشواهد العقلية أو النقلية الكاشفة عمّا أرادوه بهذا الظاهر ، كما نبّه عليه المصنّف رحمهالله في ذيل العبارة ، فالمقصود في مثل هذه الروايات الحثّ على استفراغ الوسع في فهم معاني الروايات الصادرة ، عنهم ، لا الحثّ على عدم المبادرة إلى طرح بعض الروايات ، كي يختصّ موردها بغير معلوم الصدور ، فلاحظ وتدبّر.
قوله قدسسره : واعلم أنّ حاصل ما يستفاد من مجموع الأخبار ... الخ (٢).
أقول : امّا الترجيح بالأعلمية والأوثقية ، فلا يستفاد من شيء منها ، عدا مرفوعة زرارة ، وهي قاصرة سندا كما نبّه عليه المصنّف رحمهالله مرارا ، وإلّا لوجب الترجيح بالأحوطية أيضا.
فالحقّ أنّ المدار في تعارض الخبرين كون رواتهما من الثقات الغير المتّهمين بالكذب ، كما في بعض الأخبار المتقدّمة أيضا الإشارة إليه.
__________________
(١) سورة آل عمران : آية ٣.
(٢) فرائد الاصول : ص ٤٤٩ سطر ٦ ، ٤ / ٧٣.