هو العلم الحاصل من سبب خاص ، وهو غير معقول ، حيث أنّ العلم المأخوذ في موضوع حكم العقل بوجوب الامتثال ، هو العلم الطريقي المحض ، ولا يعقل أن يتصرّف الشارع في موضوع حكم العقل ، لأنّ مرجعه إلى التناقض بنظر القاطع ، كما عرفته في صدر المبحث ، وإنّما الممكن أن يأخذ الشارع العلم مطلقا ، أو على وجه خاص في موضوع حكمه الشرعي ، فكأنّ هذا الكلام نشأ عن الغفلة عن تشخيص الموضوع ، الذي يمكن أخذ العلم بعنوانه الظاهر قيدا فيه ، وعدم الالتفات إلى أن محطّ النظر في هذا الباب إنّما هو هدم هذا المبنى ، فجعل مدّعاه من وجوه الردّ على الدليل! ولم يصل إلى عين عبارته ، فيحتمل وقوع خلل في نقل مرامه ، ويكون غرضه إرجاع نزاع الاخباريّين إلى ادّعاء كون العلم الخاص في موضوع الحكم المنجّز الذي يجب امتثاله ـ أي الحكم الفعلي ـ لا في موضوع وجوب الامتثال ، الذي هو حكم عقلي ، فيكون محط نظره ما قرّره «صاحب الفصول» في تحرير محلّ النزاع ، حيث أنّه بعد أن ذكر اختلاف القائل بالتحسين والتقبيح في الملازمة بين حكمي العقل والشرع في مقامين.
قال : «المقام الثاني : إنّ عقولنا إذا أدركت الحكم الشرعي ، وجزمت به ، فهل يجوز لنا اتّباعها ، أو يثبت بذلك الحكم في حقّنا أو لا؟ وهذا النزاع إنّما يتصوّر إذا لم يقطع العقل بالحكم الفعليّ ، بل قطع بالحكم في الجملة ، بأن احتمل عنده اشتراط فعليّته باستفادته من طريق النقل ، وامّا لو قطع بالتكليف الفعليّ ، بأن أدركه مطلقا غير متوقّف على دلالة سمع عليه ، فالشكّ في ثبوته غير معقول ...» إلى أن قال :
«ولا يذهب عليك أنّ النزاع على التحرير الأخير ـ أي التحرير المزبور ـ يعمّ جميع ما يستقلّ بإدراكه العقل ، ممّا يبتني على قاعدة التحسين والتقبيح وممّا لا يبتني عليها» ، انتهى.
وفيه : إنّه كيف يعقل أن يدرك للظّلم أو الكفر ، أو تحصيل الأخلاق الذميمة