قوله قدسسره : وامّا فيما لا يحتاج سقوط التكليف فيه إلى قصد الإطاعة ، ففي غاية الوضوح (١).
أقول : وليعلم أوّلا : إنّ وجوب إطاعة الشارع عقليّ ، ولا يعقل أن يكون شرعيا ، للزوم التسلسل ، فالعقل مستقل بوجوب الائتمار بما أمره الشارع ، والانتهاء عمّا نهى عنه ، بأن يكون أمره باعثا على الفعل ، ونهيه داعيا إلى الترك ، فيجب على العبد عقلا أن يأتي بما أمر به الشارع بداعي أمره ، ويترك ما نهاه عنه امتثالا لنهيه ، من غير فرق في ذلك بين أن يكون ما تعلّق به الأمر أو النهي توصّليا أو تعبّديا ، إلّا أنّه لمّا لم يتعلّق الغرض من الأمر التوصّلي إلّا بصرف حصول المتعلّق ، ومن النهي التوصّلي إلّا عدم اختياره الفعل عند الابتلاء ، فمتى حصل الفعل المأمور به في الخارج بأي نحو كان ، سواء كان بفعل غير المكلّف ، أو بفعل المكلّف بلا داع وشعور ، أو بداع آخر وراء امتثال التكليف ، فقد حصل الغرض ، وسقط الأمر ، فانتفى موضوع وجوب الامتثال ، كما لو أنّه ما لم يتحقّق دواعي ارتكاب المحرم ، ولم يتهيأ أسبابه ، لا يتنجّز في حقّه النهي ، كي يجب عليه امتثاله ، فهذا هو الفارق بين التوصّلي والتعبّدي ، لا أنّه لا تجب الإطاعة في التوصّليات ، كما قد يتوهّم.
وقد ظهر ممّا ذكر أنّ الإطاعة التي استقلّ العقل بوجوبها ، عبارة عن إتيان المأمور به بداعي الأمر ، وإن شئت قلت إنّها عبارة عن الإتيان بما تعلّقت به إرادة الشارع ، على حسب ما تعلّقت به إرادته ، لما سنشير إليه ، من أنّ العبرة بالخروج عمّا تعلّق به الغرض من الأمر ، لا بنفس الأمر من حيث هو.
وكيف كان ، فحيث لم يتعلّق غرض الشارع في الواجبات التوصليّة ، التي لا تتوقّف صحّتها على القصد ، إلّا بإيجاد ذات المأمور به من حيث هو ، فلا مجال
__________________
(١) فرائد الأصول : ص ١٤ سطر ٢٥ ، ١ / ٧١.