صفحات عديدة جملة مختصرة ، لكنّها تحتوي على أصل الفكرة ، ثمّ بعد جمعه لذلك تبدأ المرحلة الأهمّ إلا وهي نقد الأقوال المطروحة وتزييف الأدلّة المعتمدة ، وهي مهمّة صعبة ـ إن لم نقل مستحيلة ـ خاصّة إذا لاحظنا أنّ من يواجههم الشيخ هم عيون البشر وجهابذة العلم ، كالطوسي والمحقّق والحلّي والشهيدين من المتقدّمين وغيرهم من المتأخّرين ، لكنّه رحمهالله لا تهابه العناوين والأشخاص في مجابهة النقد العلمي ، رغم تقديره البالغ لهم ، فتراه خلال أسطر قليلة ينسف آراء مدرسة علم من الأعلام كانت لها السيادة طوال قرون عديدة ، فيبني على انقاض المدرسة المنهارة ، باجتهاده العميق ، واسلوبه البديع ، كيانا جديدا مطابقا لروح الشريعة ، ومقتضيات الزمان ، مع فهم جديد لها ، ترتاح له النفس ، ويسكن إليه القلب. وهذه الخصائص والمميّزات هي التي أدّت إلى سيادة مصنفات الشيخ وآرائه على الحوزات الشيعية مدّة تزيد على قرن ولا زالت ، وأصبح مصنّفان من مصنّفات الشيخ وهما كتاب (فرائد الأصول) المشتهر ب (الرسائل) في أصول الفقه ، و (كتاب المكاسب) في فقه المعاملات مدار الدراسة في مرحلتي السطح والخارج.
أمّا كتاب المكاسب فقد فاق قرينه في الشهرة والعناية ، وذلك لأسباب عديدة ، أهمّها كونه آخر مؤلّفات الشيخ ، حيث كتبه وهو في قمّة نضجه العلمي ، وكمال منهجيّته الفقهيّة والأصوليّة ، واستقامة مبانيه في مباحث المعاملات ، وذلك بعد أن درّس المادّة ، وناقش اسسها ومبانيها مع أفاضل تلامذة درسه ، فخرج الكتاب جامعا مانعا ، بعيدا عن الهفوات والزلّات ، وتضارب البناء مع المبنى ، كما هو المتعارف في مثل هذه الموسوعات الفقهيّة ، حيث أنّ تنوّع المادّة وتفرعاتها وتشعّباتها ، أحيانا يفقد المؤلّف القدرة على حفظ استقامة البحث ومنهجيّته ، فيقع في هفوات وزلّات وتناقضات تؤدّي إلى هبوط القيمة العلمية للتأليف ، هذا فضلا عن أنّ الكتاب متفرد في مادّته وأسلوبه ، فقد فاق فيه من تقدّم عليه ولم يلحق به من