تأخّر عنه ، وهذه الصّفات هي التي حدت بشيخ القانونيين العرب ، وصاحب التأليفات المشهورة في القانون المدني ، الدكتور عبد الرزّاق السنهوري ، أن يطلق كلمته المشهورة من على منبر كلّية الحقوق بجامعة بغداد في الستّينيّات من الألفيّة الثانية ، فإنّه بعد أن أوصى الحقوقيّين العراقيّين بالاستعانة بفقه الإماميّة وأصولها ، وجعلها من مصادر التشريع الرئيسيّة في سنّ القوانين المدنيّة والجزائيّة في الدول الإسلاميّة وخاصة العراق ، قال ما مضمونه :
«إنّني لم أكن أعرف قبل سفري إلى العراق آراء الشيخ الأنصاري ونظريّاته في فقه المعاملات والتجارة ، ولو وقفت عليه قبل تصنيفي لكتاب (نظرية العقد) ، لكنت قد غيّرت أو بدّلت أو عدّلت أو صحّحت كثيرا من نظرياتي في هذا الكتاب».
* * *
وأمّا كتاب «فرائد الأصول» المشتهر عند أهل العلم ب «الرسائل» فهو عبارة عن مجموعة من الرسائل في مادّة أصول الفقه ، وهي رسالة القطع ، والظنّ والبراءة والاستصحاب ، والتعادل والتراجيح ، أي أبحاث الأصول العمليّة ، حسب تقسيم الأصوليّين لأبحاث أصول الفقه ، وتعتبر الأبحاث المطروحة في هذه الرسائل الخمس قمة الفكر الأصولي المعاصر عند الإماميّة ، وبرغم أنّها دوّنت أواسط القرن الثالث عشر للهجرة ، لكنّها لا زالت حيّة ، طريّة ، ناضجة ، ولم يسدل عليها غبار النسيان ، ولم يدفع بها إلى زوايا المكتبات لتعدّ من التراث الأصولي ، بل لا زال الكتاب مدار البحث في الحوزات العلميّة الشيعية في مرحلتين :
مرحلة السطوح : حيث يدرس الطالب الذي توسط في دراساته الأصوليّة الكتاب كمادة دراسية ، ويسعى لاستيعاب القواعد الأصوليّة ، وتطبيقات الشيخ واستدلالاته وردوده ونقوضه ، ويحاول الاستاذ أن يشرح له آراء الشيخ وأقواله ، وأن يفتح له مغاليق كلماته وعباراته.