المحسّنة عنوانا لتشخيص الموضوع.
وقد ظهر لك أنّ الأولى أن يقرّر دليل الجواز ، كما قرّره المصنّف قدسسره بقوله «إنّا لا نجد في عقولنا بعد التأمّل ما يوجب الاستحالة» (١) ، وهذا طريق يسلكه العقلاء في الحكم بالإمكان.
وقد اعترضت في الأزمنة السابقة على هذا التقرير بقولي :
«وفيه : إنّ هذا لا يوجب القطع بالإمكان ، لأنّ عدم وجدان الدليل أعمّ من العدم في الواقع.
وامّا ما ذكره من كونه طريقا يسلكه العقلاء في الحكم بالإمكان ، فهو بحسب الظاهر إشارة إلى ما هو المحكيّ عن الشيخ الرئيس وغيره من أنّ «كلّما قرع سمعك فذره في بقعة الإمكان ، ما لم يذره قائم البرهان» ، وهو غفلة ، إذ المقصود منه ليس الحكم بالإمكان الذاتي أو الوقوعي من دون دليل ، بل المراد الإمكان الاحتمالي ، بمعنى تجويز العقل صدق المسموع ، فالمقصود بذلك أنّه لا يجوز المبادرة في الإنكار فيما يسمع بمجرّد الاستبعاد ، بل يلتزم بإمكان صحّته ، بمعنى احتمالها بنظر العقل» انتهى.
وفيه : إنّ الاعتراض نشأ من الغفلة عن فهم المراد ، لأنّ المقصود بالاستدلال دعوى استقرار طريقة العقلاء على ترتيب أثر الممكن في مقام العمل ، كما هو الشأن في سائر الاصول العملية المعمول عليها لدى العقلاء ، لا البناء على إمكانه بمعنى اعتقاد أنّه ممكن ، ضرورة امتناع حصول الاعتقاد مع الشّك.
ومعنى ترتيب أثر الممكن عليه ، أنّهم لا يطرحون الدليل الدالّ على وجود شيء بمجرّد احتمال استحالته ، بل يلتزمون بترتيب أثر الوجود عليه ما لم يعلم استحالته ، إذ ليس للممكن في حدّ ذاته أثر قابل لأن يترتّب عليه حال الشّك
__________________
(١) فرائد الأصول : ص ٢٤ سطر ٢٥ ، ١ / ١٠٦.