إلّا هذا ، أعني أثر وجوده عليه عند قيام طريق معتبر عليه ، ألا ترى أنّه لو قال المولى لعبده «صدّق زيدا فيما يخبرك» فاخبره زيد بمجيء عمرو من سفره ، يجب على العبد ترتيب آثار مجيئه ، ولا يجوز له طرح خبر زيد بمجرّد احتمال استحالته ، وكذا لا يجوز بشهادة العقل والعقلاء طرح الآثار الشرعيّة وتأويلها بمجرّد احتمال استحالته ، فالعقلاء استقرّت طريقتهم على ترتيب أثر الوجود على ما قام عليه طريق ما لم يثبت امتناعه ، ولا يجوز لديهم طرح الدليل المعتبر بمجرّد الاحتمال ، مع أنّ الوجود أخصّ من الإمكان ، فهذا دليل على أنّ عدم ثبوت الامتناع كاف لدى العقلاء في معاملة الإمكان ، بمعنى الالتزام بالعمل على طبق الطريق المؤدّي إلى وقوعه.
وقد اتّجه بما ذكرنا ما صدر من بعض المتكلمين من الاستدلال بأصالة الإمكان في بعض مقاصدهم الكلامية ، كالمعاد ، والمعراج الجسمانيين ، وخلود الكفّار في النار ، وكونهم معذّبين فيها ، وكون الجنّة والنار مخلوقتين بالفعل ، ونظائر هذه الموارد ، فانّ معنى التشبّث بالأصل في مثل هذه الموارد ، وجوب التديّن والالتزام بمضمون الآيات والأخبار الدالّة عليها ، وعدم جواز ارتكاب التأويل ، أو الطرح فيها بواسطة بعض الشكوك والشبهات الموهمة استحالتها.
ولكن قد اعترض بعض محققيهم في تعليقاته على بعض شروح «التجريد» على التمسّك بأصالة الإمكان ، بعين ما صدر منّا سابقا من الاعتراض على المتن حرفا بحرف ، إلّا في مجرّد التعبير.
وقد عرفت أنّه لا وقع لهذا الاعتراض على ما وجّهنا به كلامهم ، وإلّا فمن الواضح أنّه لا مسرح للاصول في إثبات كون الشيء ممكنا في الواقع ، وإنّما يعوّل عليها في مقام ترتيب الأثر ، كما يأتي لذلك مزيد توضيح في مبحث الاستصحاب إن شاء الله تعالى.