المباحث تأسيسا نسخ به الأصول الكربلائيّة (١) ، فصارت كسراب بقيعة ونسج على منواله المتأخرون حتّى صار الفخر في فهم مراده ، وكتب كلّ شرحا أو حاشية عليه بقد ما غمز فيه فكره ودرى ...» (٢).
ويبدو أنّ المصنّف رحمهالله لم يدوّن رسائله لتكون منهجا دراسيّة في الحوزات العلميّة ، إلّا أنّها صارت من المواد الأساسيّة وركائز الدراسات الأصوليّة في الحوزات الشيعيّة بحيث لا يستغني عنها الطالب المتوسّط والأصوليّ المتمرّس ، بل عدّ استيعاب مادّة الكتاب وفهم محتواه ومضمونه ، وتحصيل ملكة القدرة على تطبيق قواعده على الموضوعات الخارجيّة ، دليلا على بلوغ الطالب مرحلة الاجتهاد. ونظرا لصعوبة مادّة الكتاب ودقّتها ، فقد أقدم كثير من تلامذة الشيخ على شرح الكتاب وتحشيته أو التعليق عليه ، وأحصى الشيخ آقا بزرگ الطهراني [الذريعة : ٦ / ١٥٢ ـ ١٦٢] ثمانين حاشية على هذا الكتاب بين مطبوع ومخطوط ، وذلك خلال فترة ثمانين سنة ، أي من سنة ١٢٨١ ه ولغاية سنة ١٣٦٥ ه ، وقد تضاعف العدد منذ ذلك الحين. وممّن شرح الكتاب الشيخ آقا رضا بن محمّد رضا الهمداني رحمهالله ، وهو تلميذ المصنّف في أخريات أيّامه ، كما هو تلميذ أبرز خرّيجي مدرسة الشيخ الأنصاري ، أي الإمام المجدّد والمجتهد الأكبر السيد الميرزا محمّد حسن الشيرازي ـ قدّس الله روحه ـ فالهمداني يعدّ أولى من غيره في شرح مادّة الكتاب ، لقربه إلى مصنفه ولعلمه بآرائه وأفكاره ، ولممارسته تدريس الكتاب مدّة طويلة ، والوقوف على مواضع القوّة والضعف فيه ، ولذا عدّ تعليقته على المواضع المختارة
__________________
(١) يقصد المدرسة الأصوليّة في مدينة كربلاء في القرنين الثاني عشر والثالث عشر الهجريين ، حيث كانت لها السيادة والريادة على الفكر الشيعي ، خاصّة وأنّها تمكّنت من دحر المدرسة الإخباريّة وإخماد نورها وإعلاء شأن التفكّر الأصولي العقلاني ، ولكنّها تراجعت أخيرا أمام مدرسة الشيخ الأنصاري الأصوليّة وآرائه المستحدثة.
(٢) الذريعة : ١٦ / ١٣٢.