قوله قدسسره : فغاية الأمر التخيير بينهما أو تقديم الظّن ... الخ (١).
أقول : ليس مقتضى المقدّمات التي رتّبها جواز الالتزام والتعبّد بالظّن في الفرض ، ولو على سبيل التخيير ، إذ غاية الأمر أنّه بحكم العقل مخيّر بين ترك الفعل الذي ظنّ بوجوبه ، فيكون عمله مطابقا لأصالة البراءة ، وبين أن يأتي بالفعل فيكون عمله مطابقا للظّن.
وامّا جواز العمل بالظّن بمعنى التّدين به والالتزام بأنّ مؤداه تكليفه في مقام العمل ، بحيث يجعله وسطا في إثبات متعلّقاته ، أو التعبّد بالأصل كذلك فلا ، وما ذكره في وجه تقديم العمل بالظّن فهو إنّما يؤثّر في الزام العقل باتّباعه ، إذا علم إجمالا بثبوت تكاليفه ، ولم يتمكّن من امتثاله بطريق العلم ، فيجب عليه حينئذ متابعة الظّن ، كما سيتّضح لك في تقرير دليل الانسداد.
ومن المعلوم أنّ التكلّم في المقام ليس مبنيّا على هذه المقدّمة ، إذا التكلم في المقام إنّما هو في جواز العمل بالظّن في خصوص مورد تعذّر فيه تحصيل العلم ، بحيث لو كان الأصل الجاري فيه حجّة ، ولم يكن اعتباره مقيّدا بعدم الظّن على خلافه ، لكان المتعيّن الرجوع إليه.
والحاصل : إنّ الكلام في هذا المقام ليس مبنيّا على دعوى العلم الإجمالي بثبوت تكاليف في الشريعة ، حتّى يتعيّن العمل بالظنّ عند تعذّر العلم ، ومن المعلوم أنّ الواقع ما لم يعلم تنجيزه عليه لا يجب إطاعته ، حتّى يتعيّن العمل بالظنّ عند تعذّر العلم.
ولو قال قائل : إنّ هذا هدم للمبنى ، لأنّه رجوع إلى أصل البراءة مع الظّن بالخلاف. والمفروض اختصاص اعتبار الاصول بما إذا لم يظنّ بخلافها.
__________________
(١) فرائد الأصول : ص ٣٣ سطر ١١ ، ١ / ١٣٢.