احتمال وجود القرينة الصارفة ، فيكون حينئذ اصالة عدم القرينة في مثل الفرض حاكمة على تلك الاصول مانعة عن جريانها ، فعلى هذا التقدير أيضا لا يكون مرجع تلك الاصول إلى اصالة عدم القرينة ، بل لا تجري تلك الاصول بواسطة الأصل الحاكم ، فلا يتّجه إرجاع تلك الاصول إلى أصالة عدم القرينة في شيء من مواردها.
ويدفعه : إنّ الحق أنّ الاصول الوجودية الجارية في مباحث الألفاظ لا تأصّل لها بنفسها ، بل وكذا كلّ أصل وجودي معتبر لدى العقلاء ، كأصالة الصحّة ، واستصحاب الحالة السابقة ، ومرجعها إلى اصول عدمية يتفرّع عليها تلك الوجودات ، فهي بنفسها من حيث هي غير متأصّلة ـ كما يأتي تحقيقه في مبحث الاستصحاب إن شاء الله تعالى ـ. فمرجع استصحاب الحالة السابقة إلى أصالة عدم ما يرفعها ، التي هي عبارة اخرى عن عدم الاعتناء باحتمال وجود الرافع ، ومرجع الاصول الجارية في مباحث الألفاظ إلى عدم الاعتناء بالاحتمالات المنافية لها ، من احتمال وجود القرينة ، أو غفلة المتكلّم عن نصبها أو غلطه ، أو إرادته لإظهار خلاف مراده لتقيّة ونحوها من الامور المقتضية لإرادة خلاف الظاهر ، وسيأتي في عبارة المصنّف قدسسره عند توجيه كلام المحقّق القمّي قدسسره الإشارة إلى ما نبّهنا عليه ، من رجوع الاصول الجارية في مباحث الألفاظ إلى عدم الاعتناء بالاحتمالات المنافية للظّاهر ، الذي هو عبارة اخرى عن أصالة عدم تلك المحتملات.
نعم ، لو قلنا بأنّ مناط اعتماد العقلاء على هذه الاصول في مجاريها هو الظّن النوعيّ الحاصل من غلبة إرادة الحقيقة والعموم والإطلاق ونحوها ، لا عدم الاعتناء بالاحتمالات المنافية لها ، لكانت هذه الاصول في حدّ ذاتها أصولا ـ كما نبّه عليه المصنّف قدسسره في بعض كلماته ـ ولكنّه خلاف التّحقيق ، ولا يرتضيه المصنّف قدسسره بحسب الظاهر.