أهل الحصن فأخذ حصنها الشرقيّ عنوة ، وعبر دجلة فصالحه أهل الحصن الآخر على الجزية والأذن لمن أراد الجلاء في الجلاء ، ثم فتح المرج وقراه وأرض بانهدرا وداسن وجميع معاقل الأكراد ، وأوّل من اختطّ الموصل وأسكنها العرب ، ومصّرها هرثمة بن عرفجة البارقيّ ، وكان عمر عزل عتبة عن الموصل وولّاها هرثمة ، وكان بها الحصن وبيع النصارى ومنازلهم ومحلّة اليهود ، فمصّرها هرثمة ثم بنى المسجد الجامع ، ثم بنى بعدها الحديثة ، وكانت قرية قديمة فيها بيعتان ، فمصّرها ، وأسكنها قوما من العرب فسمّيت الحديثة ، لأنها بعد الموصل ، وافتتح عتبة بن فرقد الطيرهان وتكريت ، وآمن أهل حصن تكريت على أنفسهم وأموالهم ، وسار في كورة باجرمق حتى صار إلى شهرزور (١).
وتكريت من كور الموصل ، وبإزائها في البريّة مدينة الحضر على برّيّة سنجار ، وبينها وبين دجلة خمسة عشر فرسخا ، وبينها وبين الفرات خمسة عشر فرسخا ، وهي مبنيّة بالحجارة البيض ، بيوتها وسقفها وأبوابها ، وهي على تلّ ولها ستّون برجا كبارا ، وبين البرج والبرج تسعة أبراج صغار ، على رأس كلّ برج قصر ، وأسفله حمّام ، وقد حمل عليها نهر الثّرثار ، ويشقّ المدينة ثم يخرج ، وعلى حافتي الثرثار القرى والجنان ، والثرثار يخرج من سنجار ويصبّ في الفرات ، ويحمل عليه السفن ، وكان ملك الحضر السّاطرون ثم الضّيزن ، ويقال : إنه كان على الحضر باب يغلقه رجل ولا يفتحه إلّا خلق كثير ، وهو الذي قال فيه عديّ بن زيد :
وأخو الحضر إذ بناه وإذ |
|
دجلة تجبى إليه والخابور |
وقال : الشرقيّ بن قطاميّ : لمّا افترقت قضاعة خرجت فرقة منهم إلى الجزيرة ، وعليهم ملك يقال له الضيزن بن جبهلة ، أحد الأحلاف ، فنزلوا مدينة الحضر ، وكان بناؤها ، على طلسمين ألّا يهدمها إلّا حمامة ورقاء مطوّقة بحيض امرأة زرقاء ، فأخرج ضيزن كلّ امرأة عارك (٢) ، وغزا الضيزن في جميع قضاعة
__________________
(١) من قوله (وولى عمر بن الخطاب ، عتبة بن فرقد ...) إلى هنا في فتوح البلدان للبلاذري ص ٣٢٧ ـ ٣٢٨.
(٢) العارك : الحائض.