آخر. فشكوه ثلاثا في كل ذلك يزيدونه (١) قيدا. فلما كان في الرابعة قال لهم : ما الذي يصنع بكم حتى ضججتم منه؟ فقالوا : يا نبي الله! أعظم ما نشكو منه السعاية والنميمة. قد تقاتلنا [٢٦ أ] على يده.
فأخرجه عنهم ودعا بصخر المارد ـ وكان ينقل الصخر من فارس إلى الشام ـ فقال له : يا صخر! اكفني مؤونة هذا النبطي وليكن معك في سلسلة. ففعل ذلك. فبينا سليمان في بعض مواكبه وقد حملته الريح ، إذ عارضه صخر في الهواء والنبطي معه في سلسلة ، وصخر يستغيث إلى سليمان ويستوقفه. فأمر سليمان الريح فركدت ودعا به فسأله عن شأنه فقال : يا نبي الله! اعفني من هذا النبطي واقرن معي مائة عفريت في موضعه. قال : وما الذي يصنع بك؟ قال : يا نبي الله! يدعني حتى إذا حملت الصخرة على رأسي ، استقدم في سلسلتي ولفّها على صدره ثم جذبني وطرح نفسه على وجهه ، فأقع على وجهي وتقع الصخرة على عنقي وظهري. فأقول له : ما شأنك؟ فيقول : أثرت ـ ويريد عثرت ـ. ثم أقوم فأجعلها على رأسي وأقول له : تأخر فكن من ورائي حتى لا تعثر ، فيفعل. ثم يقبض على الطوق الذي في عنقه ويستعقد فيطرحني على ظهري وتقع الصخرة على جنبي. فأقول : ويلك! ما ذا دهاك؟ فيقول : أنت شيطان من الشيوط ونهن لا نلهق بك. يريد : أنت شيطان من الشيطان ونحن لا نلحق بك. فضحك سليمان ثم قال : قد جعلتك يا نبطي عريفا على الجن النقالة فخذهم بالجد واستعجلهم في الحمل. فمضى لذلك.
فقال له الجن : إن بيننا وبينك رحما ماسة فانظر لنا في ولايتك ، قال لهم : وأي رحم بيننا وأنتم من الجن وأنا من الإنس؟ قالوا : إن هاهنا امتزاجا آخر لا تعرفه. قال : وما هو؟ قالوا : إنه لما ملك سليمان أتته ملكة دستميسان فسألته أن يوجه معها شيطانين يبنيان لها قصرا من وقت طلوع الشمس إلى الظهر. ففعل ذلك ووجه معها شيطانين يقال لأحدهما أكي ، فبنياه لها إلى قبل الظهر. فلما فرغا منه
__________________
(١) في الأصل يزيدوه.