وإنهم منّا لعلى منزلتين ، إن جازوا حكمنا قتلوا ، وإن جاروا عن قصدنا أكلوا ، يفخرون علينا بالنعمانات والمنذرات والقابوسات وغير ذلك ممّا سيأتي ، ونفخر عليهم بخير الأنام وأكرم الكرام محمّد عليه السلام ، فلله به المنّة علينا وعليهم ، لقد كانوا أتباعه به عرفوا ، وله أكرموا ، فمنّا النبيّ المصطفى والخليفة المرتضى ، ولنا البيت المعمور والمشعر الحرام وزمزم والمقام والبطحاء مع ما لا يحصى من المآثر ، فليس يعدل بنا عادل ، ولا يبلغنا قول قائل ، ومنّا الصدّيق والفاروق وذو النورين والوليّ والسبطان وأسد الله وذو الجناحين وسيف الله ، وبنا عرفوا الدين ، وأتاهم اليقين ، فمن زاحمنا زاحمناه ، ومن عادانا اصطلمناه.
ثم أقبل خالد على إبراهيم فقال : أعالم أنت بلغة قومك؟ قال : نعم. قال : فما اسم العين؟ قال : الجحمة. قال : فما اسم السنّ؟ قال : الميذر. قال : فما اسم الأذن؟ قال : الصنّارة. قال : فما اسم الأصابع؟ قال : الشناتر. قال : فما اسم اللحية؟ قال : الزبّ. قال : فما اسم الذئب؟ قال : الكتع. قال : أفعالم أنت بكتاب الله؟ قال : نعم. قال : فإن الله عزّ وجلّ يقول (إِنَّا أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا) وقال : (بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ) وقال : (وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ) فنحن العرب والقرآن علينا أنزل بلساننا ، ألم تر أن الله عزّ وجلّ يقول (وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِ) ولم يقل الجحمة بالجحمة ، والصنّارة بالصنّارة ، والمَيْذَر بالمَيْذَر ، وقال : (جَعَلُوا أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ) ولم يقل شناترهم في صنّاراتهم ، وقال (لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي) ولم يقل بزُبّي ، وقال : (أَكَلَهُ الذِّئْبُ) ولم يقل أكله الكتع.
ثم قال خالد : إنّي أسألك عن أربع خصال لا يجعل الله لك منها مخرجا ، إن أقررت بهن قهرت ، وإن جحدت بهن كفرت ، قال : وما هي؟ قال : الرسول (صلى الله عليه وسلم) منّا أو منكم؟ قال : بل منكم. قال : القرآن علينا أنزل أو عليكم؟ قال : بل عليكم. قال : فالبيت لنا أم لكم؟ قال : بل لكم. قال : فالمنبر فينا أو فيكم؟ قال بل فيكم. قال : فاذهب فما كان بعد هذا فهو لكم. قال : فغلب خالد إبراهيم فأكرم أبو العبّاس خالدا وحباهما جميعا ، فقام خالد وهو يقول ما أنتم إلّا سائس قرد ، أو